بسبب كثرة الحوارات بين الأديان فإن أتباع هذه الأديان يعرفون تعاليم الأديان الأخرى وممارساتها من بعضهم البعض، حتى اكتشف البعض أن هناك تقاليد معينة من هذه الديانات تشبه تقاليدهم، وتشير إلى ممارسات قد تعزز تنفيذ مبادئ تقاليدهم في الحياة اليومية، ففي ضوء هذا الاتجاه ربما يكون معرفة المزيد من الممارسات الإسلامية من المفيد للبوذيين.
الحج إلى مكة مرة واحدة في الحياة يعد من بين أركان الإسلام الخمسة الواجبة على كل مسلم أو مسلمة بشرط القدرة عليه ماديًّا وبدنيًّا، وأثناء هذه الزيارة يجب على الرجال أن يرتدوا زيًّا متماثلاً مشتملاً على ردائين من ثوب أبيض وخفين، وليس هناك زي معين للنساء غير الزي التقليدي المتواضع لهن في بلادهن.
ويتوق الكثير من متبعي البوذية بمذاهبها المختلفة أيضًا إلى زيارة بودغايا مرة واحدة في حياتهم، وهو مكان مقدس في الهند حصل فيه بوذا على النيروانا، لكن ليس هناك قواعد معينة خاصة بالزي أو السلوك أثناء الزيارة، وبالتالي فإنه من الممتع فكرة تبني بعض التقاليد من الحج الإسلامي وتكييفها مع العقائد البوذية خاصة؛ بهدف لم شمل البوذيين. وبالرغم من أنه لا حاجة إلى تعيين زيارة مقدسة سنوية في أيام معينة، فمن الممكن أن يرتدي جميع الزوار العامة زيًّا بسيطًا مماثلاً في بودغايا، ويتبعوا مجموعة الطقوس المقترحة المقبولة لدى كل صورة من البوذية.
ومن أركان الإسلام الخمسة الأخرى: الزكاة المؤداة إلى الفقراء، وهو عبارة عن ضريبة سنوية تقدر بـ ٥‚ ٢٪ من الدخل الزائد على المستوى الأدنى. وفي الجانب الآخر تدعو البوذية بمذاهبها المختلفة إلى السخاء ضمن الأعمال بعيدة الأثر، وتقليديًّا وحسب هذه الممارسة كان عامة البوذيين يقدمون الطعام والأنواع الأخرى من المساعدة إلى الرهبان والراهبات وإلى الأديرة، وبالرغم من ذلك فإن العطاء الموجه إلى الفقراء وأصحاب الحاجة من عامة الناس قليل جدًّا، ولقد بدأت حركات بوذية متعددة تحاول معالجة هذا الأمر؛ منها "مؤسسة الإغاثة والرحمة البوذية دسو تشي" (Buddhist Compassion Relief Tzu Chi Foundation) التي أسسها في تايوان سنة ۱٩٦٦ المعلم تشينغ يان، و"الشبكة الدولية للبوذيين المرتبطين" التي أسسها سولاك سيفاراكسا بتايلاند سنة ۱٩۸۷. والجدير بالذكر أن فريضة الزكاة الإسلامية تضرب لنا مثالاً يحتذى به في هذا المضمار.
لكن البوذية تشجع أتباعها أن ينموا صفة السخاء وغيرها من الصفات الأخرى البعيدة الأثر بحثهم عليها وبإيجاد الدوافع لها، ولكن الضريبة الواجبة للفقراء سوف تناقض هذا الأمر، وبالرغم من ذلك فهناك اقتراحات بتخصيص نسبة مئوية معينة من دخل المرء سنويًّا للفقراء عمومًا، ولإنشاء المزيد من المؤسسات المتطوعة لتوزيع هذه المعونة.
وأخيرًا فهناك مجال آخر يمكن للبوذيين فيه أن يتعلموا أمورًا مفيدة من المسلمين، وهو إصلاح مدمني المخدرات، فيشتمل برامج الإصلاح في زنجبار مثلاً على شغل وقت المدمنين المتعافيين بالأعمال الدينية المنظمة مثل الصلاة خمس مرات في اليوم، وهذا يساعدهم في معالجة مشاكلهم البدنية والعواطفية المتعلقة بحالتهم المتأخرة، كما يساعدهم على إيجاد طريق جديد إيجابي في حياتهم.
يتزايد إدمان المخدرات والكحول في كثير من المجتمعات الآسيوية البوذية، ولا يقتصر إدمان الهيرويين في المثلث الذهبي المكون من بورما ميانمار وتايلاند ولاوس فحسب، بل ينتشر في المناطق الأخرى أيضًا. ولقد واجه مجتمع اللاجئين التبتيين في الهند ونيبال استخدام المخدرات المتزايد بين الشباب المحرَّرين من السحر، وفي منغوليا ظل إدمان المسكرات مشكلة أساسية عبر عشرات السنين مع زيادة إدمان المخدرات أيضًا. فمن الممكن أن يفيد برنامج مشابه لبرنامج زنجبار في إصلاح المدمنين، ويمكن أن يتضمن هذا البرنامج في نطاق البوذية الهندية والتيبتية والمنغولية على إعادة السجود والممارسات الأساسية الأخرى مئة ألف مرة من أجل تزكية النفس.
خاتمة
إذن لم يوجد لدى علماء البوذية وأتباعها اهتمام بتعاليم الإسلام تقليديًّا إلا قليلاً، وذلك لم يكن من أجل الأناقة الثقافية، بل من أجل حقيقة أن البوذيين لم يروا أية حاجة إلى الحوار العقائدي، وكان ذلك بسبب أن البوذية - بخلاف علاقتها مع ديانات أخرى - ما كانت تتقدم في مناطق مسلمة، وما كانت تنافس الإسلام للحصول على الدعامة الملكية، فلم يشعر البوذيون بحاجة إلى الحوار، حتى كرد فعل على تدمير أديرتهم في شبه القارة الهندية على أيدي جنود المسلمين، أو كرد فعل على نشر الإسلام السِّلْمي في المناطق البوذية؛ مثل آسيا الوسطى وإندونيسيا. وكان البوذيون دائمًا أحرارا في تحول الديانة، واعتبر الحوار العقائدي مع مرتكبي التدمير بلا فائدة بعد تدمير الأديرة، وهناك ردود فعل بوذية تشبه ذلك السلوك في عصرنا الحالي تجاه الاضطهادات والقتل على أيدي حكومات الشيوعيين في روسيا ومنغوليا والصين وفيتنام ولاوس وكمبوديا.
إن المرة التاريخية الوحيدة التي توجَّه فيها البوذيون إلى قضايا عقائدية مع الإسلام كان عند مواجهتهم للغزو والاضطهاد على أيدي أقلية مسلمة متطرفة مسلحة في نهاية القرن العاشر الميلادي، وحتى في ذلك الموقف الرهيب لم تحاول النصوص البوذية الرد على شيء من العقائد الإسلامية، بل بحثت عن المجال المشترك بين الديانتين حتى تؤدي بالمجموعة المعتدية المسلمة إلى فهم أفضل للبوذية. وكذلك فإن الأسلوب النافع اليوم للحوار البوذي–المسلم يمكن أن يكون محاولة تعيين المجال المشترك العقائدي؛ من أجل معالجة التهديدات المتصاعدة، مثل العنف بين الطوائف، والنزاع المسلح، والاحتباس الحراري، والانحطاط البيئي، واستخدام المخدرات. وربما يمكن العثور على حلول هذه المشاكل الملحة من خلال التعاون السلمي والتفاهم.
ملحق
عالج صاحب القداسة الدالاي لاما الرابع عشر في محاضرة تحت عنوان: "الإيمان بحقيقة واحدة أو بحقائق متعددة؟"، تلك التي ألقاها في هامبورغ بألمانيا ٢١ يوليو سنة ۲۰۰۷ م، قضية في غاية الأهمية لنجاح حوار بوذي-مسلم في المستقبل، ألا وهي: كيف نعالج الاختلاف العقائدي بين بعض الديانات التي تؤمن بحقيقة واحدة، وبين الأخرى التي تؤمن بحقائق كثيرة؟ فوضح صاحب القداسة أن التديُّن أمر شخصي، وبالتالي ما يؤمن به المرء ليس بحقيقة إلا بالنسبة له، وفي الحقيقة هناك ديانات عديدة في العالم، وحقائق متعددة يؤمن بها أتباعها. ثم شرح هذه الموضوع قائلاً:
"أصدقائي من المسيحيين والمسلمين، في الواقع هناك ديانات كثيرة وحقائق عديدة تعلِّمها هذه الديانات، والواقع أقوى مما نتصوره، والذين يحسون بأن هناك حقيقة واحدة فحسب فلهم أن يؤمنوا بتلك الديانة، ولكنه من الواجب عليهم أن يحترموا الديانات الأخرى؛ لأنها تأتي بفوائد عميقة لإخواننا وأخواتنا".
"أنا شخصيًّا أعجب بسائر الأديان وأقدرها وأحترمها، مثل: الإسلام والمسيحية واليهودية والهندوسية. ويصفني بعض المسيحيين مسيحيًّا صالحًا، كما أعتبر بعض المسيحيين بوذيين صالحين، وأنا أرحب بجميع الأعمال المسيحية، مثل: المغفرة والرحمة والإحسان وما إلى ذلك. وأنا أعتقد أن العلة والمعلول هما أساسا الدين، بينما يعتقد هؤلاء أن تصور الإله هو أساس الدين، فأخبر هؤلاء أن الاعتقاد بالنشأة المترابطة (dependent arising) والفجوة هما من العقائد الخاصة بنا، وليس بكم، ولكن الجوانب الأخرى مشتركة بيننا جميعًا، وهذا هو أساس أي توافق".
تتعلق هذه النقاط الأخيرة عن التوكيد على القيم الأخلاقية بالتوافق بين البوذيين والمسلمين أيضًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق