ينتشر البهائيون اليوم في أكثر من مئتين وخمسة وثلاثين بلداً، وهم يمثّـلون أصولاً دينية مختلفة وينتمون إلى أجناس وأعراق وشعوب وقبائل وجنسيات متعددة. أما الدين البهائي فمعترف به رسمياً في العديد من الدول، ومُمثّـل تمثيلاً غير حكومي في هيئة الأمم المتحدة والأوساط الدولية العلمية والاقتصادية.
والبهائيون على اختلاف أصولهم يُصدِّقونَ بما بين أيديهم من الكتب السماوية، يؤمنون بالرسالات السابقة دونما تفريق، ويعتقدون بأن رسالة حضرة بهاء الله - أسوة بغيرها من الرسالات السماوية - لا تمثّـل سوى مرحلة من المراحل المتعاقبة للتطور الروحي الذي يخضع له المجتمع الإنساني.
إِنَّ الدين البهائي دين عالمي مستقل كل الاستقلال عن أي دين آخر. وهو ليس طريقة من الطرق الصوفية، ولا مزيجاً مقتبساً من مبادئ الأديان المختلفة أو شرائعها، كما إنَّه ليس شُعبة من شعب الدين الاسلامي أو المسيحي أو اليهودي. وليس هو إحياء لأي مذهب عقائدي قديم. بل للدين البهائي كتبه المُنزلة، وشرائعه الخاصة، ونظمه الإدارية، وأماكنه المقدسة. أما رسالته الحضارية الموجهة إلى هذا العصر فتتلخص في المبادئ الروحية والاجتماعية التي نصّ عليها لتحقيق نظام عالمي جديد يسوده السلام العام وتنصهر فيه أمم العالم وشعوبه في اتحاد يضمن لجميع أفراد الجنس البشري العدل والرفاهية والاستقرار ويُشيّد حضارة إنسانية دائمة التقدم في ظل هداية إِلهية مستمرة.
يحثّ الدين البهائي أتباعه على الإيمان بالله الواحد الذي لا شريك له، ويعترف بوحدة الرسل والأنبياء دون استثناء، ويؤكد وحدة الجنس البشري، ويفرض على كل مؤمنٍ التخلي عن كل لون من ألوان التعصب والخرافات، ويجزم بأن هدف كل دين هو إشاعة الألفة والوئام، ويعتبر اتفاق الدين والعلم أمراً جوهرياً وعاملاً من أهم العوامل التي تمنح المجتمع البشري السكينة والاطمئنان وتحمله على التقدم والعمران. ولعل من أهم المبادئ التي ينادي بها الدين البهائي مبدأ المساواة في الحقوق بين البشر بما في ذلك المساواة بين الرجل والمرأة، فضلاً عن مبدأ التعليم الإجباري وتوفير الإمكانات لخلق مناخ اجتماعي سليم، فيأمر أتباعه بإزالة الهوّة السحيقة بين الفقراء والأغنياء، ويقضي بعدم تعدد الزوجات، ويُقدّس الكيان العائلي معتبراً الأسرة أساس بناء المجتمع الإنساني الصالح. ويمنع الدين البهائي أتباعه من الاشتغال بالأمور السياسية والحزبية ويشجعهم على الولاء والصدق والصفاء في علاقاتهم مع حكوماتهم وعلى خدمة أوطانهم ورفع شأن مواطنيهم. ولا تَدَع الكتب البهائية مجالاً للشك في أن حضرة بهاء الله سنّ لأتباعه منهجاً للسلوك ونمطاً للتعامل الشريف، فأكد أنّ الحياة الخاصة للفرد مقياس دقيق لإيمانه، ففرض على أتباعه طهارة القول والفكر والعمل، عفّةً وأمانةً وصدقاً وولاءً ونزاهةً ونقاوةً وكرماً، وأمرهم بكل معروف، ونهاهم عن كل منكر. يقول حضرة بهاء الله:
"قل يا قوم دعوا الرذائل وخُذوا الفضائل، كونوا قدوةً حسنةً بين الناس، وصحيفةً يتذكّر بها الأُناس ... كونوا في الطرْف عفيفاً، وفي اليد أميناً، وفي اللسان صادقاً، وفي القلب متذكراً..."(١)
"كن في النعمة مُنفقاً، وفي فقدها شاكراً، وفي الحقوق أميناً ... وفي الوعد وفيّاً، وفي الأمور منصفاً ... [وكن] للمهموم فَرَجاً، وللظمآن بحراً، وللمكروب ملجأ وللمظلوم ناصراً، ... وللغريب وطناً، وللمريض شفاءً، وللمستجير حصناً، وللضرير بصراً، ولمن ضلّ صراطاً، ولوجه الصدق جمالاً، ولهيكل الأمانة طرازاً، ولبيت الأخلاق عرشاً..."(٢)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق