من تكتيك الهجوم والاجتياح وثم انسحاب من بقي حياً إلى تكتيك الخطف والقتل او طلب الفدية, اتساءل أين صارت ثورة الحرية والكرامة والديمقراطية? هل نجح النظام بتخليق معارضة مسلحة من جنسه وطبيعته? بهذا التعليق على ممارسات الجيش الحر, كثف المعارض السوري الدكتور منذر خدام, رؤيته لما يجري الآن على صعيد الحراك الثوري, السلمي والعنفي, في ترنيمة بدأت تعلو كثيرا هذه الايام, تحت جنح نقد الثورة وممارسات ثوارها, وهذا واجب لاغبار عليه, خصوصا أننا نحن معشر الكتاب والمثقفين المعارضين أو حتى غير المعارضين! الحياديون مثلا, نريد أن يكون كل شيء نموذجي على الصعد والمستويات كافة, وهذا حق أيضا, لكن إن لم يكن نموذجيا فهل يعني أن ننحاز كليا لنموذجنا غير المتحقق أصلا في التاريخ والواقع? ويصبح كل من هو خارج النموذج مرذول قولا وفعلا? لم تتعرض ثورة في التاريخ في سياق حدثها التفصيلي واليومي, لحالة من النقدية والتهجم والانكشاف كما تتعرض له الثورة السورية, إن ربط ظاهرة الجيش الحر, بما يكون في حالة انسانية عامة, وهو وجود ظواهر سلبية وجرائم, مثل الخطف وطلب الفدية, ونشوء حالة من السلبية العنفية وعلى نطاق محدود, فيصبح تضخيم هذه الظواهر وربطها بالجيش الحر من أجل سبب واحد في الواقع وهو: تقويض الاساس الأخلاقي والتحرري لهذه الثورة, التي سجلت سابقة في التاريخ البشري, عموما والمعاصر خصوصا, حيث لم يواجه شعب كما يواجه شعبنا, جريمة عالمية منظمة وفي وضح النهار, وبذلك يكون المثقف محكوم برؤيته السياسية والفكرية, ليس إلا! ومن جهة أخرى حتى لو كان ما يتم نشره في هذا السياق يشكل نقدا صائبا لظواهر الثورة, فيجب عدم التعامل معه على مبدأ ولا تقربوا الصلاة! لكن السياسي المعارض, حافظ على السوية نفسها منذ بداية الثورة وبخاصة من هم في تيارات محسوبة تاريخيا على المعارضة التقليدية التي تفاجأت بالثورة, وبالتحديد بعض التيار اليساري والقومي والعلماني, لأنه منذ بدء الثورة في الواقع وهو يتسقط دوما ما يقوض هذا الاساس الأخلاقي للثورة, فمنذ بدايتها, نلاحظ تلك السرديات:
انطلقت من الجامع, فهي مرذولة! شعاراتها طائفية فهي مرذولة! تريد تدخلا خارجي فهي مرذولة! يجب على المنشقين من الجيش والذين رفضوا قتل المدنيين من أبناء وطنهم أن يسلموا اسلحتهم للنظام ويذهبوا إلى الاعدام! لأن الشباب يرفضون العنف والطائفية والتدخل الخارجي, والآن خرجوا علينا بترنيمة أن الجيش الحر معارضة مسلحة على شاكلة النظام! لهذا هي مرذولة وهذه رسالة ضمنية وصريحة لرفض دعم الجيش الحر, وفي النهاية وبمآلات السياسة وموازين القوى, يبقى النظام المجرم الطرف الوحيد الذي يمتلك السلاح واستخدامه بجرم واضح. الجميع من اصحاب هذه الطروحات يدركون أن طروحاتهم إنما تصب في النهاية في مصلحة استمرار العصابة الأسدية كطرف وحيد مسلح ويستخدم السلاح في قتل المدنيين, وتدمير مدنهم واقتصادهم وحياتهم.
كتبت منذ بدء الثورة أكثر من مرة تحذيرا, حول أن الوضع الدولي ووضع المعارضة السياسية التقليدية, يسير بالبلد نحو ما اسميته السيناريو الصفري, واسميته بالسيناريو الاسرائيلي, لأنه خيار إسرائيلي- كناتج موضوعي وذاتي ربما عند كثير من النخب في اسرائيل- يتمثل في دعم إسرائيل اللامحدود لعصابة آل الأسد, بحيث يتم تدمير الدولة والمجتمع- بغض النظر استمرت العصابة الأسدية أم لا ومن دون ان ننسى الموقفين الروسي والايراني بالطبع هذا ما أدى إلى تزمين الوضعية السورية كما يفترض هذا الخيار, تحت معادلة تدميرية, لاتدعم المعارضة المسلحة ولا السلمية حتى !ولا تدخل عسكري دولي, ولا تدع العصابة الأسدية تنتصر, هذه الوضعية هي التي كانت الفضاء المناسب لتخلقات مشوهة محسوبة على الثورة, مع ذلك سنقوم بمقارنة سريعة توضح:
جيش العصابة الأسدية ارتكب المجازر بحق المدنيين على اسس سلطوية وطائفية, دمر المدن والبيوت فوق رؤوس اصحابها, قتل من الاطفال والنساء أكثر مما قتلت إسرائيل من الفلسطينيين خلال ثلاثة عقود, بينما الجيش الحر لم يقم بارتكاب أي مجزرة بحق المدنيين, ولم يقصف المدن, ولم يتعرض للاحياء الموالية! لم يقم الجيش الحر بتفجير مؤسسات الدولة أو بنهبها, بينما جيش العصابة ينهب ويقصف كل ما يراه.
مثال آخر, ثبت بالدليل القاطع أن العصابة الأسدية وراء كل التفجيرات التي قيل أنها تحمل بصمات "القاعدة", لأننا لم نعد نسمع عن أي تفجير مشابه بعدما تأكدت العصابة الأسدية بأن مفعول تفجيراتها هذه لم يعط نتيجة تذكر وان المجتمع الدولي لم ياخذ برسالتها واكتشف كذبها, والجيش الحر لم يقم بمثل هذه التفجيرات.
الاسلاميون على اختلاف انتماءاتهم السياسية هم جزء من الثورة, اتفقنا ام اختلفنا معهم, أما غالبية الجموع التي خرجت من المسلمين هم ليسوا منتمين سياسيا لأي تيار من التيارات المعروفة.
ثمة أمر انساني آخر يتم تجاهله, وهو أن ردة فعل البشر تجاه "شبيحة" العصابة الأسدية ليست متساوية, جراء ما قاموا ويقوموا به من تشبيح ومجازر, مع ذلك لابد من التأكيد أن الخروقات في جسد الثورة ليست قليلة ومدانة, لكنها لم ولن تكون هي الثورة, لأنها خروقات وإن تكررت فستبقى كذلك فكفاكم محاولات لا أخلاقية.
* كاتب سوري
تابع مدوناتى :- صور بلا حدود ...
...مدونة التاريخ ...المدونه الزراعيه والوصفات ...كلام الناس
***************************************************
هذه هي آخر منتجات قمت بمشاهدتها Souqموقع الويب الخاص بـ:
في الأغلب، انتهى الأمر بالأشخاص الذين قاموا باستعراض هذه المنتجات إلى اختيار المنتجات التالية:
الصفحات
الصفحات
مدونة التاريخ ناصر شلبي
الخميس، 30 أغسطس 2012
السبت، 25 أغسطس 2012
وضع الثورة السورية لاسقاط نظام بشار الاسد الآن
تكالبت قوى من الشرق والغرب من العرب والعجم كما يقال, من المسلمين والمسيحيين واليهود وكل الاديان, من الكرد والعرب,من الايرانيين والاتراك, من اليسار واليمين, من المعارضة والموالاة, كلها تكالبت على منظر الدم السوري, عذرا على المفردة لكنها تعبر أدق تعبير, عن الوضعية التي تعيشها ثورتنا, ومن هنا اسطوريتها وملحميتها, وهي لهذا السبب ستنتصر, كنت ولا ازال مع تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته القانونية والادبية تجاه شعب يذبح من قبل عصابة مجرمة, وسابقي مع الألحاح الدائم على طرق ابواب هذا المجتمع, الذي يتحرك بطيئا تجاه شعبنا, المشكلة أن النظام يعتقد أن هذا التكالب يتعلق بحرص تلك القوى عليه, لكن المشكلة الاكبر هي فيمن يدافع عن النظام, وبخاصة داخل اوساط المعارضة, بهذه الحجة, حجة أن المجتمع الدولي لايريد التدخل لأنه مع النظام, في كل كلامي هذا لم أذكر إسرائيل, إسرائيل هي حجر الزواية, الفعلي في هذا الموقف الدولي, اصدقاء سورية الذاهبون إلى تونس, كلهم يدركون حجم الحضور الاسرائيلي في التزمين المرحلي للوضعية السورية, بحيث لاتنتصر الثورة سريعا, ولايستطيع نظام العصابة القاتل, ان يحسم المسألة, لأن إسرائيل تدرك أن النظام ساقط, كما الروس تماما, لكنهم يتعاملون معه كقاتل مأجور, الفارق هنا أن المافيا عادة هي من تدفع للقاتل المأجور, لكن في وضعيتنا, القاتل المأجور هو من يدفع للمافيا الروسية من أجل أن تطيل أمد وظيفته المرحلية, هو من يدفع لها من ثروة شعبنا وبلدنا المنهوب علنا..الدول الغربية, منها من يريد التدخل, ومنها من لايريد, لكنها لديها كل المبررات لكي تقول للعالم, ان الروس يمنعون, وأن الموقف الاسرائيلي يخاف من القادم, وان المعارضة غير موحدة, والآن أن هنالك تسربا للقاعدة إلى سورية.
من لايعرف وأعتقد أن العالم كله يعرف, لم تتدخل القوى الدولية عسكريا في اي دولة, وكانت معارضتها موحدة, ولم تدخل اميركا إلى العراق وافغانستان إلا وهي تقول" أن في هذين البلدين تنظيماً للقاعدة" الاصدقاء التوانسة قبل أن يدلوا بدلوهم وخاصة من كانوا معارضة أيام زين العابدين بن علي, لم يسألوا أنفسهم, لماذا موقف الجيش السوري مختلف عن موقف الجيش التونسي? ولم يسألوا انفسهم ايضا, لماذا انتصرت الثورة التونسية بسرعة فائقة? رغم ان التضحيات التي يقدمها الشعب السوري حتى اللحظة لم يقدمها شعب في العالم من أجل حريته وانعتاقه من هذه العصابة المجرمة, ولاسيما بعد مرور عام تقريبا على انطلاق الثورة السورية من حوران? ولماذا الشعب السوري يطالب بالحماية الدولية?
الثورة السورية في ألقها رغم كل هذا الدم وستنتصر تظاهراتها السلمية بحماية الجيش السوري الحر, طال الوقت أم قصر..يخرج بازاريو السياسة الإيرانية علينا متشدقين بأن نظام عصابتهم لن يسقط, من نجاد إلى خامنئي إلى ولايتي وهم يعرفون أنهم يكذبون لأنهم أيضا يعرفون ان عصابتهم لاتزال تقتل بفضل الموقف الاسرائيلي..البازار الدولي الآن مفتوح على سورية, وهيئة التنسيق ترفض التدخل الدولي, ولا تتحدث عن السفن الروسية الايرانية وماذا تحمل إلى سورية? ونجوم هيئة التنسيق يتنقلون من عاصمة لعاصمة ومن قناة العالم لقناة المنار, ليس لديهم سوى مطلب واحد فقط, هو أن يحضوا هذه الدول على عدم المساهمة بصدور قرار دولي بالتدخل..أما احاديثهم عن ديمقراطية ونظام ومشروع سياسي فهي لاتتعدى الكذب الصريح بعد بابا عمر ودرعا..لهذا هم فاوضوا فاروق الشرع لكي يوقف القصف على بابا عمر..نكتة أليست كذلك? اما المجلس الوطني..بعد انتهاء لقاء تونس سيكون لي حديث آخر....شعبنا سينتصر بالمجلس او من دون بدعم دولي او من دونه لكن فاتورة الدم ستكون أكبر...هذه هي الحقيقة...لأن العصابة الحاكمة تحولت إلى مجرد نفاية لمابعد انتهاء سوق المزاد المفتوح على دم شعبنا.
كاتب سوري
من لايعرف وأعتقد أن العالم كله يعرف, لم تتدخل القوى الدولية عسكريا في اي دولة, وكانت معارضتها موحدة, ولم تدخل اميركا إلى العراق وافغانستان إلا وهي تقول" أن في هذين البلدين تنظيماً للقاعدة" الاصدقاء التوانسة قبل أن يدلوا بدلوهم وخاصة من كانوا معارضة أيام زين العابدين بن علي, لم يسألوا أنفسهم, لماذا موقف الجيش السوري مختلف عن موقف الجيش التونسي? ولم يسألوا انفسهم ايضا, لماذا انتصرت الثورة التونسية بسرعة فائقة? رغم ان التضحيات التي يقدمها الشعب السوري حتى اللحظة لم يقدمها شعب في العالم من أجل حريته وانعتاقه من هذه العصابة المجرمة, ولاسيما بعد مرور عام تقريبا على انطلاق الثورة السورية من حوران? ولماذا الشعب السوري يطالب بالحماية الدولية?
الثورة السورية في ألقها رغم كل هذا الدم وستنتصر تظاهراتها السلمية بحماية الجيش السوري الحر, طال الوقت أم قصر..يخرج بازاريو السياسة الإيرانية علينا متشدقين بأن نظام عصابتهم لن يسقط, من نجاد إلى خامنئي إلى ولايتي وهم يعرفون أنهم يكذبون لأنهم أيضا يعرفون ان عصابتهم لاتزال تقتل بفضل الموقف الاسرائيلي..البازار الدولي الآن مفتوح على سورية, وهيئة التنسيق ترفض التدخل الدولي, ولا تتحدث عن السفن الروسية الايرانية وماذا تحمل إلى سورية? ونجوم هيئة التنسيق يتنقلون من عاصمة لعاصمة ومن قناة العالم لقناة المنار, ليس لديهم سوى مطلب واحد فقط, هو أن يحضوا هذه الدول على عدم المساهمة بصدور قرار دولي بالتدخل..أما احاديثهم عن ديمقراطية ونظام ومشروع سياسي فهي لاتتعدى الكذب الصريح بعد بابا عمر ودرعا..لهذا هم فاوضوا فاروق الشرع لكي يوقف القصف على بابا عمر..نكتة أليست كذلك? اما المجلس الوطني..بعد انتهاء لقاء تونس سيكون لي حديث آخر....شعبنا سينتصر بالمجلس او من دون بدعم دولي او من دونه لكن فاتورة الدم ستكون أكبر...هذه هي الحقيقة...لأن العصابة الحاكمة تحولت إلى مجرد نفاية لمابعد انتهاء سوق المزاد المفتوح على دم شعبنا.
كاتب سوري
الثورة السورية الكبرى صفحة ناصعة من تاريخ الأمة العربية عام 1916 م
الثورة السورية الكبرى صفحة ناصعةمن تاريخ الأمة العربيةأولى عملياتها العسكرية كانت إسقاط الثوار طائرتين فرنسيتين
كتب ناصر جميل الحجلي
أجمع الباحثون على ان الثورة السورية الكبرى هي احدى أهم محطات النضال الوطني التي خاضتها الشعوب العربية في تاريخها التحرري، وانها احدى أهم الانتفاضات التي شهدها العصر الحديث في دول المشرقين، ذلك لأسباب كثيرة أهمها انها كانت استمراراً للتاريخ النضالي الذي احتضنته الأراضيالسورية ابان الاحتلال العثماني وحملة ابراهيم باشا والذي وقعت أهم أحداثه على بطاح جبل العرب، منها معارك اللجاة التي اندحرت فيها جحافل ابراهيم باشا المكونة ما يزيد على الأربعة آلاف جندي أمام ضربات أبناء الجبل الذين لم يستكينوا لغاز أو يرضخوا لمعتد، الى عدد من الثورات والانتفاضات ضد ممارسات الدولة العثمانية التي فرضت من خلالها سوق شباب سورية الى الخدمة الالزامية وارسالهم الى دول المغرب والبلقان، دون السماح لهم بالعودة الى بلدانهم وفرض الضرائب الجائرة بحق سكان البلاد الاصليين،فكانت مواسمهم تعجز عن سداد جزء من هذه الضرائب التي تفنن ولاة السلطان في استنباط أساليبها المشكلة والملونة، ولهذا فان بسط حكم الدولة العثمانية على الجبل كان شكلياً في معظم الأحيان، وكان آخر هذه المعارك معركة «الكفر» التي وقعت في العام 1910 بين مجموعة من المجاهدين يقودهم ذوقان الأطرش وبين قوات الدولة العثمانية بقيادة سامي باشا الفاروقي الذي حمل على الجبل لكسر شوكته واخضاعه لسيطرتها، وكان نتيجة ذلك اعدام ذوقان عام 1911 بعد ان ترك وصيته الشهيرة التي قال فيها قبل لحظات من التفاف حبل المشنقة حول عنقه: (أوصي أبناء وطني ألا يثقوا بالدولة العثمانية أبداً.
وما ان أعلن الشريف حسين عن الثورة العربية الكبرى في العام 1916وانطلاقها من أرض الحجاز الا وهب أبناء جبل العرب ليعلنوا انهم أحد أجنحة هذه الثورة، وأحد أركانها الرئيسة، وهذا التأييد الفوري مرده الولاء المطلق للعروبة،ورفع العلم العربي للمرة الأولى في سورية فوق دار سلطان الأطرش في قرية القريا،وبعد تحرك جيوش الثورة في اتجاه سورية لتحريرها. أما ثوار الجبل فقد اتجهوا من السويداء الى دمشق مروراً ببصرى الشام فهزموا حاميتها وأوعز سلطان بفتح مخازن المؤن والحبوب المصادرة واعادتها للأهالي، وكانوا أولى طلائع الثورة التي وصلت دمشق ورفعوا علم الثورة على سراي دمشق وهو العلم نفسه الذي رفع على دار سلطان عند اعلان الثورة فكان أول راية عربية ترتفع في سماء دمشق منذ أكثر من أربعمئة عام. وكان ذلك في العام 1918 بعدها بويع فيصل ملكاً على سورية. ولان الدول الاستعمارية الكبرى آنذاك وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا كانت قد قسمت المنطقة الى مناطق نفوذ فقد حمل العام 1920 ساعة الصفر لتنفيذ معاهدة «سايكس - بيكو» التي أعطت فرنسا حق الانتداب على سورية ولبنان فانزلت قواتها على الشواطئ اللبنانية وتوجهت الى سورية بأمر من الجنرال غورو الذي أطلق انذاره الشهير يوم 14 يوليو من العام نفسه والذي طالب فيه الشعب السوري بتسليم البلاد وعدم التصدي لقواته مطلقا اعنف التهديدات بالقمع والقتل والتدمير وحرق الأخضر واليابس. كانت أولى المواجهات بعد عشرة أيام من تاريخ الانذار فدارت على أرض ميسلون معركة طاحنة مختلة التكافؤ بشكل كبير فالحملة الفرنسية مجهزة بالدبابات والمصفحات والوحدات الهندسية ووحدات المشاة، وكانت مدعومة بأسراب الطائرات الفتاكة وعربات المدفعية عيار75 و155 مم، فيما كانت قوات الجيش السوري التي قادها وزير الحربية يوسف العظمة مكونة من 5000 مقاتل بينهم عدد كبير من غير النظاميين بالاضافة الى عدد من المتطوعين، وقد استشهد العظمة مع عدد كبير من بواسل جيشه. بعد هذه الهزيمة دخل المحتلون دمشق وأخذوا يبسطون سيطرتهم على كامل الأراضي السورية، ولم يمض كثير من الوقت حت بدأوا كأسلافهم العثمانين بالتنكيل بالأهالي مع الفارق ان الفرنسيين حاولوا في أيامهم الأولى اقناع الشعب بانهم أمناء عليه وقد أتوا للأخذ بأيدي أبنائه، ومساعدتهم على مواكبة العصر، وانهم سوف يقيمون المشافي والمدارس والطرق وسينقلون الى المدن والقرى ثقافتهم الزاخرة بالعلم والأدب والفنون، مستندين بذلك الى سمعة فرنسا الطيبة التي جنتها من تدخلها لوقف حملتها الدامية التي وقعت في لبنان في العام 1860 وذلك بايعاز من نابليون الثالث بعد ان عجزت السلطنة عن قمعها وايقافها. ومع مرور الأيام كان التململ بين صفوف الشعب آخذاً بالازدياد بشكل متسارع، بينما البطش والتنكيل يستشريان في كل المناطق السورية، وبلغت ذروتها في التعدي على الكرامات والأخلاق والقيم العربية الأصيلة التي يتحلى بها أبناء سورية والتي تعتبر مصدر اعتزاز لا يهين، أو يتراجع أمام القوة، أو الاغراءات مهما بلغت. وقد تمثلت باعتقال قوات الاحتلال للثائر ادهم خنجرالذي استجار بسلطان طالباً حمايته من الفرنسيين الذين يطاردونه بتهمة المشاركة بتدبير اغتيال غورو، وكان اختطافه من دار سلطان بمثابة الطلقة التي لا ترد، فأقسم على تحرير المستجير والانتقام له بأكثر مما يتصور أي مخلوق، فأعلن ثورته على الاحتلال الفرنسي الذي رفض ضباطه اطلاق سراح خنجر، فهاجم مجموعة من الثوار قوة فرنسية كانت متجهة الى دمشق وأبادوها، ولكن خنجر لم يكن معهم. ورداً على ذلك قرر الفرنسيون ان الرد العاجل والقاسي سيؤدب ابناء الجبل ويجرهم الى بيت طاعتها، فشنت الطائرات غارة مكثفة على القريا استمرت يوماً كاملاً نتج عنها تدمير دار سلطان بالكامل. ولتجنيب الجبل الخراب والدمار قرر سلطان ورجاله مغادرة سورية الى البلقاء في الأردن، بينما مال الفرنسيون للمهادنة، الا ان ذلك لم يطل فعادوا الى سابق العهدوبالغوا بظلمهم وطغيانهم في انحاء سورية كافة لكن ذلك بلغ منتهاه في الجبل الذي كانوا ينظرون اليه بانه التحدي الاكبر والمؤلب الرئيس ضد استقرار سلطتهم، وذلك من اللحظة الاولى للاحتلال حيث رأوا ان فزعتهم للثوار بميسلون ورغم عدم وصولهم في الوقت المناسب بداية حمراء سوف لن يتراجع عنها أبناء الجبل لتبدأ مرحلة جديدة من النضال الوطني. نصف ساعة تحسم معركة «الكفر» بدأ سلطان بالتنقل بين قرى الجبل يحرض الأهالي على الثورة ضد الفرنسيين ويستثير النخوات وكانت أولى عمليات الثورة العسكرية اسقاط الثوار طائرتين فرنسيتين احداهما وقعت قرب قرية امتان وأسر طيارها، تجمع الثوار بقيادة سلطان ثم هاجموا صلخد في 20 يوليو 1925وأحرقوا بمساعدة أهلها دار البعثة الفرنسية فانطلقت في اليوم نفسه حمله فرنسية بقيادة نورمان الذي استخف بقدرات الثوار اتجه الى قرية الكفر وأمر جنوده بالتمركز حول نبعها. أرسل سلطان الى نورمان مبعوثاً لينصحه بالانسحاب فأجابه بالرفض وكررالتهديدات بالقبض على سلطان وأعوانه وانه يمكنه ان يقتل ثلاثة آلاف درزي بالرشاش الذي معه. وقال لهم اذهبوا الى سلطان وقولوا له انني في انتظاره على أحر من الجمر في هذا المكان. بدأت المعركة ظهراً ولم تدم أكثر من نصف الساعة. وحالت سرعة الهجوم وهول المفاجأة بين الفرنسيين وأسلحتهم. وبدأ القتال بالسلاح الأبيض ودخل الثوار بين الفرنسيين وقتل نورمان قائد الحملة قضى الثوار على الحملة كلها تقريباً. كانت خسائر الدروز في معركة الكفر 54 شهيداً وتذكر المراجع الفرنسية ان 172 جندياً فرنسياً قتلوا، بينما يذكر من حضروا المعركة ان خسائر الفرنسيين كانت أكثر من ذلك بكثير وتقدر بعدة مئات، ويذكر الجنرال اندريا في مذكراته انه لم ينج من معركة الكفر من الجنود الفرنسيين الا خمسة. بتاريخ 23 اغسطس عام 1925 أعلن سلطان باشا الأطرش الثورة رسمياً ضد الفرنسيين، وفور اعلان البيان، اتسعت رقعة الثورة فأعلنت دمشق وحمص وحماة انضمامها ونودي بسلطان قائداً عاماً لجيوشها، فرسمت لوحات البطولة والفداء على كل شبر من أرض الوطن، ونزلت الضربات الموجعة بجيش فرنسا التي اضطرت لعزل مفوضيها الساميين وضباطها في سورية وتعيين بدلاً عنهم، ولمواجهة مأزقهاالذي فرضته انتصارات الثورة، حشدت الاف الجنود المزودين بأحدث الأسلحة وأعتاها الاانها وجدت نفسها في مواجهة رجال قرروا ان يواجهوا بنادقها بعصيهم ودباباتها بسيوفهم ومدافعها بعمائمهم. من بيانات القائد العام بني وطني...لا تنافس في الأهواء ولا خصومات ولا أحقاد طائفية بعد اليوم,انما نحن أمة عربية سورية, أمة مستضعفة قوية في الحق, قد انتبهت الى المطالبة بحقهاالمهتضم, أمة عظيمة التاريخ, نبيلة المقاصد قد نهضت تريد الحياة والحياة حق طبيعيوشرعي لجميع الأمم, وقد قسمها الاستعمار الأجنبي فوحدتها مبادئ حقوق الانسان وأعلامالحرية والمساواة والاخاء, نعم ليس هناك درزي وسني وعلوي وشيعي ومسيحي ليس هناك الاأبناء أمة واحدة وتقاليد واحدة ومصالح واحدة ليس هناك الا عرب سوريون. يا بني الوطن: ليس لكم بعد الآن على اختلاف المذاهب والفئات الا عدو واحد هو الحكم العسكري الجائر والاستعمار الاجنبي, فانفروا الى انقاذ البلاد من أوضاعها السيئة وارفعوا علمالاتحاد والتضامن والتضحية, ان حركتنا اليوم هي حركة مقدسة غرضها المطالبة بالحريةوالاستقلال وضمان حقوق البلاد على مبدأ سياسة الأمة فليتحد الدرزي والسني والعلويوالشيعي والمسيحي اتحاداً وثيقاً وليؤلف بين قلوبنا الاخاء القومي و محبة الوطن بين الطوائف كافة. ان قائد جيوش الثورة السورية المقدسة يطلب الى كل العرب السوريين - اعلان الاخاء الوطني بين الطوائف كافة. - قيام الأحياء (الحارات) في كل مدينة بصيانة الأمن الداخلي كل بحسب جبهته عند دخول جيوش الثورة الوطنية وانهزام المستعمرين. - تأليف دوريات ومخافر وطنية يمشي على رأسها الزعماء المخلصون المحترمون من الأمة لتأسيس الاتصال الداخلي لحفظ الأمن و صيانة الأموال ومنعا لتعدي. - ارسال قوة محلية من المتطوعين الى خارج المدينة أو القرية لاستقبال كتائب الثوار الوطنيين بالأهازيج الحماسية عند وصولهم باعتبار جميع أفراد الأمة جيشاً واحداً لهذه الثورة المقدسة. «هذه التعليمات التي يجب ان يتبعها الشعب العربي السوري في المدن والقرى تأييداً للأخوّة القومية والثورية الوطنية, ولتحيا سورية حرة مستقلة». التوقيع: سلطان الأطرش... قائد جيوش الثورة الوطنية السورية العام
استقبال شعبي قاد الأطرش العديد من المعارك الظافرة ضد الفرنسيين كان من أبرزها: معركة المزرعة التي كانت من أعنف المعارك وأكثرها خسائر في صفوف الفرنسيين، فقد كانت الحملة مكونة مما فوق على 12000 ضابط وجندي قتل منهم أكثر من خمسة آلاف. ويقول الدكتور عبد الرحمن الشهبندر «سرت بينا لجثث أكثر من ساعتين ولم استطع احصاءها». ومعارك الاقليم الكبرى، ومعركة صلخد،والمسيفرة، والسويداء، وغيرها.
عرض الفرنسيون على سلطان باشا الأطرش الاستقلال بالجبل وتشكيل دولة مستقلة يكون هو زعيمها مقبل وقف الثورة لكنه رفض بشدة مصراً علىالوحدة الوطنية السورية. انهت عودة سلطان باشا الأطرش الى سورية في مايو 1937أعوام النفي التي قضاها في شرقي الأردن وذلك بعد توقيع المعاهدة السورية الفرنسيةعام 1936 واستقبل استقبالاً شعبياً هائلاً. نتائج الثورة أجبرت الثورة فرنسا على اعادة توحيد سورية بعد ان قسمتها الى أربع دويلات: دمشق، وحلب، وجبل العلويين، وجبل الدروز عنهم، كما حصل مثلاً مع المفوض السامي (سرايل) بعد مهاجمة الثوار لقصر العظم في دمشق، فعينت المسيو (ديجوفنيل). * قصفت دمشق بالطيران لمدة 24 ساعة متواصلة. * أرسلت فرنسا أحد أبرزقيادييها (الجنرال غاملان) بعد تزايد قوة الثوار وانتصاراتهم. * اضطرت الى الموافقة على اجراء انتخابات فازت فيها المعارضة الوطنية بقيادة ابراهيم هنانو وهاشم الأتاسي. * اضطرت فرنسا الى عزل مفوضيها الساميين وضباطها العسكريين فيسورية وتعيين البدائل. أحداث 1925 25 ابريل: معركة بالسلاح الابيض بين الثواروالجيش الفرنسي في قرية رساس. 18 يوليو: اسقاط أول طائر فرنسية (فوق قرية عرمان). 2 اغسطس: معركة المزرعة، وهي من أهم وأمضى التي خاضها العرب في تاريخهم الحديث فقد شارك فيها ما يقارب من 13000 جندي فرنسي مزودين بالدبابات والمصفحات والمدافع الفتاكة بقيادة الجنرال ميشو الذي فر مع الذي فر تاركاً خلفه الكثير منالعتاد والذخائر والمؤن، وأكثر من 5000 جثة، أما عدد الثوار فلم يكن يزيد على الألفي مقاتل استشهد حوالي ثلثهم. 24 أغسطس: معركة العدلية بالغوطة، واجه الثوارخلالها أعنف هجمات الطيران. 24 سبتمبر: انسحاب الحملة الفرنسية من قلعة السويداء واستيلاء الثوار عليها. 3 أكتوبر: معركة عرى. 13 اكتوبر: معركةالمجيمر. 15 نوفمبر: تحرير مرج عيون بعركة ضارية. 16 نوفمبر: يقود الثائرفؤاد سليم مجمعة من الثوار لنسف جسر الخردلة في لبنان. 23 نوفمبر: تحرير قلعةراشيا. 5 ديسمبر: معركة دوما، ومعركة مجدل شمس، وامتدادها من مسعدة الى المنصورة. 18 يناير: معركة شويا. 20 يناير: معركة حاصبيا. أحداث 1926 3 يناير: معركة بوزريق الى الشرق من السويداء. 26 فبراير: تحرير منطقةاللجاة في الشمال الغربي من محافظة السويداء. 24 ابريل: معركة عتيل ـ سليم. 25 ابريل: معركة عرى. 25 مايو: معركة شهبا شمالي السويداء. 2ـ3 يونيو: معركة صلخد جنوب السويداء. 2 يوليو: معركة أم الرمان واستيلاء الثوار على أربعدبابات. 4 أغسطس: معركة السجن - نجران غربي السويداء. 7 أغسطس: معركة قيصماوأسر قائد الحملة اليوطنان سيكر. 5 سبتمبر: زحف جيش الجنرال انديريا من منطقةصلخد الى (المقرن الشرقي) الجهة الشرقية من محافظة جبل العرب حيث دارت هناك معاركالشريحي والشبكي. جنرالات وديبلوماسيونوقد حاولتحكومة فرنسا بسط نفوذها على سورية ولبنان بالأشكال كافة، وخلال محاولاتها تلك اضطرتالى استبدال اثنى عشر حاكماً بينهم ستة جنرالات ثلاثة منهم من أبطال الحرب العالميةالأولى وهم غورو، فيغاي وساراي. والستة الآخرون من موظفي الدولة العاملين بالسلكالديبلوماسي، بالاضافة الى جنرال اسقطت طائرته مقاتلة المانية أو ايطالية وهو فيطريقه الى سورية، بعد يومين من تعيينه. حكايات منالثورةبعد الاستقلال طلبت صحفية ألمانية من القائد العام ان يوجز لهاالبطولات التي اجترحت خلال الثورة فأجابها: لا يوجد على هذه الأرض حجر الا وقلبتهحوافر خيلنا، ولا توجد حفنة تراب لم ترو بدمائنا، ولكل مجاهد فينا قصص كثيرة من قصصالبطولة والشهادة والفداء وليست قصة واحدة، ويلزمنا لرويها تاريخاً كاملاً، فكيفيمكن ايجازها. ولكن هنا لابد ان ننوه الى بعض المآثر على سبيل الذكر لاالحصر: فقد قررت قيادة الثورة في اقليم البلان تحاشي دخول قرية كوكيا نظراًللعلاقات القوية التي كانت تربط سكانها مع الفرنسيين، وتحاشياً لوقوع اقتتال بينهموبين الثوار مما سيدفع باتجاه حرب أهلية، ولكن المفاجأة وقعت عندما توجه كاهنالقرية بالدعوة لحمزة درويش وهو قائد مجموعة الثوار المسؤولين عن تلك القرية لتناولالغداء، وخلال تجوالهما انهمر رصاص بعض العملاء على السيارة التي كانا يستقلانهافقتل الكاهن وثلاثة من مرافقي حمزة الذي اتخذ قراراً بالانتقام، فأمر بمهاجمةالقرية ونهب بيوتها. وفور وصول العلم لقادة الثورة، الذين كان من بينهم اسعد كنجابوصالح وزيد الاطرش وعادل ارسلان، قرروا بالاجماع تسليم المنهوبات للشهابيينلاعادتها لأصحابها بعد عودتهم الى بيوتهم فيما أرسل القائد العام أمراً بعودة حمزةدرويش الى الجبل، وكان في ذلك تأكيد على نزاهة الثورة وطهارتها. ويروي سلطانباشا الاطرش في مذكراته انهم حين وصلوا، ثوار الجبل وثوار الغوطة، لفك أسر النساءوالأطفال وكبار السن من أهالي الجولان الذين ساقهم حلفاء الفرنسيين الى منطقة موحلةتسمى (نقعة جمرا) استعاد ثوار الاقليم معنوياتهم وصاروا يزأرون كالأسود ويفتكونبأعدائهم، ويضيف انه من أكثر المشاهد ايلاماً غوص الأطفال والنساء بالأوحال، وتلوثجروح المصابين بالطين، وان أماً قتلت برصاص الفرنسيين فاقترب منها أحد أقاربهاليأخذ طفلها عن صدرها، فهب ينخي الرجال وينشدهم الأخذ بالثأر وهو يصيح: هذا الطفليرضع حليباً ممزوجاً بالدم. يذكر ان سبعة من أولاد العم من آل علم قضوا فيمعركة السويداء وهم يتداولون رفع بيرق مدينتهم ولم يسمحوا بسقوطه فسجلوا مأثرة منمآثر البطولة التي لا تمحى. أعداد شهداء الثورة السورية الكبرى كما ورد في كتاب «قبسات في جبل العرب والثورة السورية الكبرى عام 1925» وذلك حسب المحافظات السورية 315 حلب وادلب. 331 اللاذقية طرطوس والساحل. 731 دمشقوالغوطتين. 150 حماة. 250 حمص والنبك والقلمون. 71 دير الزور والجزيرةوالبوكمال. 34 درعا. 2064 جبل العرب. 267 اقليم البلان, راشيا مجدل شمس،والقرى التي حولها أقارب أهل الجبل من لبنان وفلسطين |
الدّين البهائيّ هو أحد الأديان السّماويّة !!!دعا إليه ميرزا حسين علي النّوري، الملقب ببهاءالله.
مقدمة من مبادئ الدين البهائى من تاريخ الدين البهائى شهادة المنصفين من آثار حضرة بهاءالله اسئلة واجوبة مواقع بهائية
مقدّمة
الدّين البهائيّ هو أحد الأديان السّماويّة، ويشترك معها أساسًا في الدّعوة إلى التّوحيد، ولكنّه دين مستقلّ له كتبه المقدّسة وعباداته وأحكامه كالصلاة والصوم وغيرها، ولقد دعا إليه ميرزا حسين علي النّوري، الملقب ببهاءالله. يختلف مدى انتشار الدّين البهائيّ في العالم باختلاف المجتمعات وانظمتها. ولكن ما يتميز به هو القبول العام لمبادئه وتعاليمه، فالملايين الّتي تؤمن به اليوم تمثّل مختلف الأجناس، والأعراق، والثّقافات، والطّبقات، والخلفيّات الدّينيّة. ومنهم تتألّف جامعة عالميّة موحّدة، تحظى باحترام وافر في المجالس الدّوليّة، وتشترك، بوصفها منظّمة عالميّة غير حكوميّة، في نشاطات هيئة الأمم المتّحدة ووكالاتها المتخصصّة وخصوصا فيما يتعلق بالتعليم، وحماية البيئة، ورعاية الأم والطفل، وحقوق المرأة والإنسان، وغيرها مما يخدم البشرية.
تتميّز تعاليم الدّين البهائيّ بالبساطة والوضوح، وتركّز على الجوهر، وتبعد عن الشّكليّات، وتحثّ على تحرّي الحقيقة، وتـنادي بنبذ التّقليد والأوهام، وتهتمّ بنقاء الوجدان، وتـنشد السّعادة الحقّة في السّموّ الرّوحانيّ، وتؤكّد أبديّة الرّوح الإنسانيّ، وتبشّر باستمرار تتابع الأديان، وتعلن أنّ الدّين هو سبب انتظام العالم واستقرار المجتمع، وتـنشد الحرّيّة في الامتثال لأحكام الله، وتشترط أن تكون أقوال الإنسان وأعماله مصداقًا لعقيدته ومرآة لإيمانه، وترفع إلى مقام العبادة كل عمل يؤدّيه الفرد بروح البذل والخدمة، وتعتبر الفضل في الخدمة والكمال لا في حبّ الزّينة والمال، وتدعو للصّلح والصّلاح، وتـنادي بنزع السّلاح، وتروم تأسيس الوحدة والسّلام بين الأمم، وترى إن كان حبّ الوطن من الإيمان فمن الأولى أن يكون كذلك حبّ العالم وخدمة الإنسان.
لا وجود في الدّين البهائيّ لكهنة، ولا رهبان، ولا رجال دين، ولا قدّيسين، ولا أولياء. والعبادة فيه خالية من الطّقوس والمراسيم، وتؤدّى صلاته على انفراد. وتميل أحكامه لتهذيب النّفس أكثر منها للعقاب. وتجعل أساس الطّاعة هو حبّ الله. ويعترف الدّين البهائيّ بأن الأديان السماويّة واحدة في أصلها، متّحدة في أهدافها، متكاملة في وظائفها، متّصلة في مقاصدها، جاءت جميعًا بالهدى لبني الإنسان. ولا يخالف الدّين البهائيّ في جوهره المبادئ الرّوحانيّة الخالدة الّتي أُنزلت على الأنبياء والرّسل السّابقين، وإنّما تباينت عنها قوانينه وأحكامه وفقًا لمقتضيات العصر ومتطلّبات الحضارة، وأتت بما يدعم روح الحياة في هياكل الأديان، وهيّأت ما يزيل أسباب الخلاف والشّقاق، وأتت بما يقضي على بواعث الحروب، وأظهرت ما يوفّق بين العلم والدّين، وساوت حقوق الرّجال والنّساء توطيدًا لأركان المجتمع. هذا بعض ما يقدّمه الدّين البهائيّ لإنقاذ عالم مضّطرب وحماية انسانيّة محاطةٍ بخطر الفناء، ما لم يتجدّد تفكيرها وتتطوّر أساليبها لتتمشّى مع احتياجات عصر جديد.
إنّ مبادئ وأحكام الدّين البهائيّ الّتي أعلن حضرة بهاءالله، أنّها السّبب الأعظم لنجاة البشر واتّحاد العالم، قد أثبتت قدرتها على تحقيق غاياتها في المجتمعات البهائية: فقد أدّت إلى تطوير أفكار النّاس، وتقويم سلوك الملايين من أتباعه وألّفت منهم، مع تباين أعراقهم، وثقافاتهم، وبيئاتهم، ومكاناتهم الاجتماعية، وثرواتهم، وسابق معتقداتهم، جامعة إنسانيّة لا شرقيّة ولا غربيّة متّحدة في مُثُلها ودوافعها وأهدافها، دائبة السّعي لرعاية مصالح الإنسانيّة جمعاء، بغض النّظر عن اختلاف الدّين والرّأي والتّفكير.
كما أظهرت الهيئات الإداريّة لهذا الدّين رغم حداثة عهدها أمانة ونزاهة في قيادتها، ورشدا في تدبيرها، وحنكة في تخطيطها، وتمتّعت بتأييد إتباعها؛ وسعت لحلّ مشاكل المجتمعات الّتي وجدت فيها، وجهدت في معاونة كثير من المجتمعات في مجالات التّـنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة في أنحاء العالم المختلفة، وقدّمت حلولاً عمليّة للمشاكل المعضلة الّتي تواجه زماننا. إنّ هذا النّظم الإلهي المتدفّق بالثّقة والحيويّة، والقادر على مواجهة المشاكل بأنواعها، هو نظم توفّرت فيه عناصر الصّلاحية والكفاءة والنّجاح، ودلّل على قدرته على مجابهة تحدّيات هذا العصر ومشاكله. فالأديان أُمّ الحضارات ونبع الفضائل والكمالات. وتتابعها هو الّذي مهّد طريق الرّقي الفكريّ، والسموّ الخلقيّ، والتقدّم الاجتماعيّ الّذي سلكته شعوب الأرض عبر أحقاب التّاريخ. فما من حضارة خلت من هذا الجوهر الّذي أمدّها بالقدرة والحيويّة والإلهام، وقاد أهلها إلى أوج المجد ومعارج الابتكار.
إنّ المسلّمات القديمة الّتي يطرحها الدّين البهائيّ على بساط البحث من جديد، والمفاهيم الواضحة الّتي يقدّمها لمن يعنيهم دراسة الأديان على أسس جديدة، والحلول الّتي يقدّمها لإعادة تـنظيم الحياة الفرديّة والجماعيّة على السّواء، تفتح أمام المتطلّعين لغد أفضل آفاقًا فسيحة لما يمكن أن يقود العالم إلى التّعاون والوحدة والاتّفاق.
لا يمكن لمحاولة عاجلة كهذه للتّعريف بالحقائق الأساسيّة للدّين البهائيّ إلاّ أن تكتفي بموجز لبعض المبادئ الّتي تدور حولها تعاليمه وأحكامه، ونذر يسير من أحداث تاريخه، وعرض سريع لآراء بعض من عرفوه عن كثب، ومقتطفات وجيزة من نصوصه وآياته. هذا ما ستسعى لتقديمه الصّفحات التّالية، في جهد متواضع لا يكاد يفي بالغاية، ولكن الأمل معقود على أن يكون فيما تعرضه ما يحثّ القارئ على مداومة البحث بدافع المسئولية والسّعي وراء الحقيقة.
عهد وميثاق حضرة بهاء الله
أَعلنَ حضرة بهاء الله مؤكّداً بأنَّ "نور الاتّفاق يُضيء كلّ الآفاق"(١) وأضاف أيضاً "قد جئنا لاتّحاد مَنْ على الأرض واتفاقهم"(٢) فالوحدة الإنسانيّة هي المبدأ الأساسي والهدف الرئيس للعقيدة البهائيّة، وكان تأكيد حضرة بهاء الله لهذا المبدأ يتضمن الإيمان بالوحدة الروحية والعضوية لأمم العالم وشعوبه، وهي الوحدة التي تشير إلى أَنَّ "الإنسانيّة قد وصلت مرحلة البلوغ."(٣)
لقد سارت البشرية على طريق التطور الاجتماعي بخلق وحدات متتابعة كالعائلة، فالمدينة-الدولة، وأخيراً وصلت إلى مرحلة قيام الأمة-الدولة. وهكذا يكون الهدف الصّريح لدعوة حضرة بهاء الله هداية العالم في المرحلة النهائية من مراحل التّطور الاجتماعي وهي مرحلة الوحدة العالمية، هذه الوحدة التي سوف تأتي بالصّلح الأعظم الذي وعدت به أديان العالم. وكما أَنَّ ما نزل على حضرة بهاء الله من كلمات الله هو الحافز على هذه الوحدة ومصدر حياتها، كذلك يكون "الميثاق"الذي أبرمه حضرة بهاء الله الأساس الذي بموجبه يمكن تنفيذ تلك الوحدة وتحقيقها.
يضمن ميثاق حضرة بهاء الله للمؤمنين الوحدة والوفاق في فهم الأصول التي يقوم عليها دينه، كما يضمن أيضاً ترجمة هذه الوحدة ترجمة فعليّة في النموِّ الروحي والاجتماعي للجامعة البهائية. ويتميّز هذا الميثاق بأنّه رَتَّبَ مسبقاً أمر تَبيين النصوص الإلهيّة تَبييناً موثوقاً به، وعيّن نظاماً إدارياً مسؤولاً، على رأسه هيئة منتخبة خُوِّلت حقّ إِصدار تشريعات تُكمِّل ما لم يشرِّعه حضرة بهاء الله.
إنَّ هذا الميثاق لهو أروع مظهر من مظاهر رسالة حضرة بهاء الله. تمّت صياغة هذا الميثاق على نحو يضمن للإنسانيّة كلّها الوحدة والوفاق عن طريق إقامة نظام اجتماعي مُوحَّد النشاط والعمل المبني على المبادئ والتعاليم الروحيّة. وأشادَ حضرة عبد البهاء، ابن حضرة بهاء الله، بميثاق والده فأكَّد بأنّه: "لم يُبرم في أي من المظاهر الإلهيّة السابقة وحتى يومنا هذا ميثاقٌ بمثل هذه المتانة وهذا الإحكام."(٤)
وهكذاَ فإنَّ الدين البهائي هو أَول دين في التاريخ يمرّ بالحقبة الدقيقة من أوائل عمره - أي القرن الأول من تاريخه - دون أنْ تتزعزع وحدة أتباعه بل ثبتت ثباتاً راسخاً. وفسّر حضرة عبد البهاء هذه الظاهرة بقوله: "لولا تلك القوة الحامية للميثاق والتي تحرس القلعة المنيعة لأمر الله، لبرز بين البهائيين آلاف المذاهب والشّيع، تماماً كما حدث في العصور السابقة."(٥) إنَّ ميثاق حضرة بهاء الله في هذا الظهور بمثابة مغناطيس يجتذب إليه أفئدة أتباعه كلّهم.
لقد عالج حضرة بهاء الله في ميثاقه قضايا الخلافة والقيادة الروحية في الدين البهائي، غير أنَّ لهذا الميثاق أهمية تتخطّى هذه القضايا إلى مواضيعَ أكثرَ شمولاً وأوسعَ أبعاداً. كتب حضرة بهاء الله في ذلك: "كان مقصود هذا المظلوم من تَحمّل الشدائد والبلايا وإِنزال الآيات وإظهار البيّنات إخمادَ نار الضغينة والبغضاء، عسى أن تتنوَّر آفاق أفئدة أهل العالم بنور الاتفاق وتفوز بالرّاحة الحقيقيّة."(٦)
وفي شرحه المسهب للميثاق، يوصي حضرة بهاء الله البشر كافة أَنْ يسلكوا مسلكاً يعزّز قيمتهم كبشر فيقول: "يا أهل العالم أوصيكم بما يؤدي إلى ارتفاع مقاماتكم. تمسّكوا بتقوى الله، وتشبّثوا بذيل المعروف"، ونهاهم عن "اللعن والطّعن وما يتكدّر به الإنسان،" وأمرهم بالتمسك "بالحقّ والصدق،" وأهاب بهم أَنْ يدركوا بأنَّ "دين الله وُجِد من أجل المحبة والاتحاد" وليس ليزرع في النفوس "العداوة والاختلاف."وحَثّهم أيضاً على احترام أولي الأمر من الملوك والحكّام بقوله: "إِنَّ مظاهر الحكم ومطالع الأمر المزينين بطراز العدل والإنصاف يلزم على الكلّ إعانة مثل تلك النفوس"، وأخيراً ناشد الكل بأنْ يقوموا على "خدمة الأمم وإصلاح العالم."(٧)
وأكَّد حضرة بهاء الله بأنَّ الخالق العظيم قد نهى "عن النزاع والجدال نهياً عظيماً في الكتاب،" وشدّد على أهمية الوئام والانسجام فيما يربط البشر من علاقات، ليناشد من جديد أتباعه المؤمنين قائلاً: "... لا تجعلوا أسباب النَّظْمِ سبب الاضطراب والارتباك، وعلّة الاتحاد لا تجعلوها علّة الاختلاف."(٨)
مركز العهد والميثاق
ولتحقيق أَهداف عهده وميثاقه والأحكام التي نصّ عليها عيّن حضرة بهاء الله ابنه حضرة عبد البهاء لِيخلُفَه. فبيّن بصريح العبارة هذا التعيين في كتاب أحكامه وهو الكتاب الأقدس: "إِذا غيضَ بحر الوصال وقُضِي كتاب المبدءِ في المآل توجّهوا إلى من أراده الله الذي انشعب من هذا الأصل القديم."(٩) وعاد فشرح حضرة بهاء الله هذه الآية في وصيته المعروفة بعنوان "كتاب عهدي" فكتب يقول: "كان المقصود من هذه الآية المباركة الغصن الأعظم [وهو اللقب الذي عرف به حضرة عبد البهاء]."(١٠)
خوَّلَ هذا التعيين الرسمي الصلاحيّة الكاملة لحضرة عبد البهاء ليصبح المبيِّنَ الأوحد لكلمات حضرة بهاء الله والمنفّذ الرسميّ لأهداف رسالته عن طريق تأسيس النظم البديع، أي نظام الإدارة البهائية. أضف إلى ذلك أنَّ حضرة عبد البهاء كان المثل الأعلى لمبادئ الحياة البهائية وفضائلها قولاً وعملاً. ونتيجة لاندماج هذه الوظائف والصلاحيات في شخصيّة واحدة تمّ إيجاد مركز روحيّ فريد من نوعه في التاريخ الدّيني للبشر، وأصبح حضرة عبد البهاء محور الميثاق شخصيةً لا مثيل لها في التاريخ.
أراد حضرة بهاء الله لحضرة عبد البهاء مكانةً تتسم بالفرادة والتمييز كما تدل عليه المقتطفات المختلفة التالية أَدناه. إذ يشير حضرة بهاء الله إلى حضرة عبد البهاء مثلاً في لوح عُرِفَ "بلوح الغصن" بهذه الكلمات: "قد انشعب من سِدْرَةِ المنتهى هذا الهيكل المقدس الأبهى،" ويضيف أيضاً، "فهنيئاً لمن استظلّ في ظلّه وكان من الراقدين. قل قد نبت غصن الأمر من هذا الأصل الذي استحكمه الله في أرض المشيئة وارتفع فرعه إلى مقام أحاط كلّ الوجود... قل يا قوم فاشكروا الله لظهوره وإنّه لهو الفضل الأعظم عليكم ونعمته الأتمّ لكم وبه يحيى كل عظم رميم، من توَجّه اليه فقد توجّه إلى الله ومن أعرض عنه فقد أعرض عن جمالي وكفر ببهائي وكان من المسرفين. إنَّه لوديعة الله بينكم وأمانته فيكم وظهوره عليكم وطلوعه بين عباده المقربين."(١١)
إِنَّ الدقة والوضوح في ما كتبه حضرة بهاء الله بخصوص تعيين ابنه مركزاً للميثاق بالإضافة إلى شرحه المسهب المفصّل لمقام حضرة عبد البهاء، يرمي إلى منع أي خلاف بين المؤمنين حول مسألة من يخلف حضرة بهاء الله، ومن يقود جامعة المؤمنين ويرشدهم سواء السبيل بعد صعوده. ولعل ما أَتحفنا به المظهر الإلهي نفسه من الإرشادات والتعليمات تعكس في حد ذاتها جانباً فذّاً من الجوانب المتعددة للظهور البهائي.
أصبح حضرة عبد البهاء، بصفته من سيدير دفّة الدين البهائي بعد حضرة بهاء الله، مركزاً حيّاً للوحدة واجتماع الكلمة تنطلق منه الجامعة البهائية العالمية في مسارها نحو النموّ والتطور. وبصفته المبيّن المعصوم الذي عيّنه حضرة بهاء الله كان حضرة عبد البهاء الوسيط النزيه الطاهر القادر على تنفيذ الكلمة الإلهيّة بأساليب عمليّة لبعث حضارة إنسانيّة جديدة.(١٢) فكلّ واحدة من المؤسسات التي أبدعها حضرة بهاء الله في ميثاقه علّق عليها حضرة عبد البهاء بنفسه موضحاً ومفصّلاً أحياناً، بل ومؤسّساً، ومشكلاً لهيئاتها في أغلب الأحيان.
جسّد حضرة عبد البهاء في حياته على أكمل وجه وأتمّه المبادئ الأخلاقية التي سنّها حضرة بهاء الله. وتدين الجامعة البهائية، بما تمتاز به من تنوع وتعدد، لحضرة عبد البهاء ومحبته الشاملة التي أغدقها على الجميع دون أنْ يفرّق بين أحد من الناس، مرحّباً بالكل بغضّ النّظر عن خلفيّاتهم، أو اهتماماتهم، أو شخصياتهم. كما تدين له بالأسلوب الودّي الذي انتهجه في رعايته وحَدْبِهِ على كل من أقْبَلَ إليه وورد إلى ساحته. لقد خلع عليه حضرة بهاء الله الفضائل والكمالات لتظهر في شخصه وسلوكه حتى يتسنى للبشر التشبّه به واتخاذه على مدى الزمان مثلاً أعلى يُحتذى.(١٣) ولمجابهة قوى الشّر والدّمار التي تهدد المجتمع الإنسانيّ في كل مكان، كان من الضروري بعثُ قُطْبٍ تتلازم فيه روح المبادئ والمثل البهائية من جهة وأسلوب تنفيذ تلك الروح قولاً وعملاً من جهة أخرى. بحيث يصبح ذلك القطب الأسوة الحسنة في الروح والعمل، والمبادئ والسلوك، والمثل الأعلى والقدوة المُلهَمَة. ففي شخصية حضرة عبد البهاء نجد ذلك الانسجام الكامل بين الفكر والشعور والعمل والسيرة، والعلاقة التي تربط الإنسان بالإنسان. وقد جسّد حضرة عبد البهاء هذا الانسجام الكامل في كل الوظائف التي أَدّاها كمحورٍ لميثاق حضرة بهاء الله ومركزٍ لعهده.
وصف حفيد حضرة عبد البهاء الذي عُيّن وليّاً للأمر جدَّه العظيم بالكلمات التالية، وذلك بعد أنْ عدَّد الصفات والألقاب التي أسبغها حضرة بهاء الله على حضرة عبد البهاء: "إنَّ أعظم كل هذه الصفات والألقاب لقب "سرّ الله" الذي اختاره حضرة بهاء الله بنفسه كي يصف به حضرة عبد البهاء، ورغم أَنَّ هذا اللقب لا يبرر بأي حال من الأحوال أنْ يناط به مقام الرسول الإلهي، إلاّ أنَّه يشير إلى الكيفية التي اندمجت في شخصه تلك الصفات غير المتجانسة، البشريّة منها وتلك المتعلّقة بالفضائل والكمالات الإلهيّة، فانسجمت فيه متحدةً متآلفة كل التآلف."(١٤)
النظام الإِداري البهائي
إنَّ فكرة وجود أُنموذَجٍ إلهي يضمن الاستمرارية في إدارة الدين البهائي ونموّه، أمْرٌ مهم بالنسبة لتحديد معنى العقيدة البهائية شأنه في ذلك شأن التعاليم الروحيّة والاجتماعية التي جاء بها حضرة بهاء الله. فالنظام الإِداري البهائي ليس إلاّ تعبيراً حيّاً لما أَبرمه حضرة بهاء الله ميثاقاً بينه وبين أحبّائه وأتباعه المؤمنين. واعتنى حضرة عبد البهاء عناية خاصة بإِيضاح معالم النظام الإِداري الذي ابتدعه حضرة بهاء الله، وحدّد في ألواح وصاياه الوظائف والمسؤوليات والسّلطات والصلاحيات المتعلّقة بالمؤسّستين اللتين سوف تخلُفانِهِ، لضمان استمرار وحدة الدين البهائي وصيانة تكافله، وهما ولاية الأمر وبيت العدل الأعظم.
عَيَّن حضرة عبد البهاء حفيده حضرة شوقي أفندي وليّاً للأمر البهائي من بعده متّبعاً الأسلوب نفسه الذي انتهجه حضرة بهاء الله في تعيينه هو مركزاً للعهد والميثاق. فأعلن حضرة عبد البهاء بصريح العبارة في ألواح وصاياه ما يلي: "يا أحباءَ عبد البهاء الأوفياء، يجب أنْ تحافظوا كل المحافظة على فرع الشجرتين المباركتين وثمرة السّدرتين الرّحمانيتين - شوقي أفندي - حتى لا يغبّر خاطره النوراني غبار الكدر والحزن ويزداد فرحه وسروره وروحانيته يوماً فيوماً، وحتى يصبح شجرة ذات ثمر، إذ أنه هو ولي أمر الدين البهائي بعد عبد البهاء وتجب على الأفنان والأيادي وأحباء الله إطاعته والتوجّه اليّه."(١٥) وأُعطِيت لوليّ الأمر وظيفةُ المبيّن الرسميّ للآيات المباركة والألواح المقدّسة، كما كُلّف بمسؤولية توسيع نطاق الجامعة البهائية العالمية وانتشارها طبقا للخطوط التي رسمها حضرة بهاء الله وشرحها مفصّلاً حضرة عبد البهاء. وفي هذا الصدد علّق أحد الكتّاب قائلاً: "عندما قام حضرة عبد البهاء بتعيين وليّ أمرٍ للدين البهائي أوجد بذلك منصباً رئاسياً للتنفيذ كان من المقدور له أنْ يصبح مركزاً محاطاً بالقداسة الأكيدة وقادراً على القيام بالمهمة العظيمة، ألا وهي دفعُ الجامعة البهائية العالمية النطاق نحو تنمية إمكاناتها في سبيل خدمة الإنسانيّة، وهو ما تميّزت به تلك الجامعة دوماً..."(١٦)
وخَوَّلت ألواح وصايا حضرة عبد البهاء حفيده حضرة شوقي أفندي حقّ تعيين مؤسّسة مُسَاعِدَة لوليّ أمر الدين البهائي تضم أيادي أمر الله الذين كُلفّوا بالاهتمام اهتماماً خاصاً بقضايا تبليغ أمر الله وحمايته. وحول هذا الموضوع كتب حضرة عبد البهاء ما يلي: "مجمع الأيادي هذا هو تحت إدارة حضرة ولي أمر الدين البهائي الذي عليه أنْ يحضّ المؤمنين دائماً على السّعي والجدّ والجهد في نشر نفحات الله وهداية مَنْ على الأرض، لأَنَّ جميع العوالم تضيء بنور الهداية."(١٧)
كان أحد الأهداف الرئيسة لحضرة شوقي أفندي هو نموّ الجامعة البهائية بصورة مطردة بحيث يمكنها تأسيس بيت العدل الأعظم وتوفير الدّعم المتواصل له. وكان حضرة بهاء الله قد نصّ على تأسيس هذا المجلس العالمي المنتخَب، وفيما بعد بيّن حضرة عبد البهاء في بنود ألواح وصاياه كيف أنَّ هذا المجلس متمّم لولاية الأمر من حيث الغاية والمطلب.
أشار حضرة عبد البهاء إلى السلطات والوظائف الخاصة بالمؤسستين اللتين سوف تخلفانه، وهي الوظائف المكمّلة لبعضها البعض. فذكر في وصيته مضيفاً قوله:"والفرع المقدس - أي حضرة ولي أمر الدين البهائي - وبيت العدل العمومي الذي يُؤسّس ويُشكَّل بانتخاب العموم، كلاهما تحت حفظ وصيانة الجمال الأبهى وحراسة العصمة الفائضة من حضرة الأعلى، روحي لهما الفداء، كل ما يقرّرانه من عند الله. من خالفه وخالفهم فقد خالف الله! ومن عصاهم فقد عصى الله! ومن عارضه فقد عارض الله! ومن نازعهم فقد نازع الله!"(١٨)
حافظت الجامعة البهائية على وحدتها خلال السّنوات السّت والثلاثين من عهد ولاية الأمر، وتمكنت من تحقيق النّمو السريع، وتم لها التوسع والانتشار عبر أقاليم شاسعة من العالم. فشُيِّدت الهيئات المحلية والمركزية والعالمية التي تُشكّل دعائم النظام الإِداري البهائي. وبالتدريج توافرت الشروط التي بموجبها أصبح في الإِمكان تشييد صرح بيت العدل الأعظم، وذلك بعد مرور خمس سنوات ونصف السنة على وفاة حضرة شوقي أفندي في عام ١٩٥٧.
حدّد حضرة عبد البهاء وظائف بيت العدل الأعظم في ألواح وصاياه، فنصّ على أنْ تؤسس بيوت عدل ثانوية (والتي يطلق عليها الان مؤقّتاً اسم المحافل الروحانية المركزية) في كلّ البلدان والأمصار، وأنْ يقوم أعضاء بيوت العدل الثانويّة هذه بانتخاب هيئة بيت العدل الأعظم. فتمّ انتخاب تلك الهيئة لأول مرة في عام ١٩٦٣ من قِبَل أعضاء ستة وخمسين محفلاً روحانياً مركزياً. ولم يكن هذا الحدث بداية مرحلة جديدة في نموّ النظام الإِداري وتطوّره فحسب، بل سجّل أيضاً، ولأول مرة في التاريخ، خَلقَ سلطة عالمية على هذا الغرار، وهي الهيئة التي تمّ انتخابها انتخاباً ديمقراطياً دون إجراء أيّة ترشحيات أو قيام أية حملات انتخابية للدعاية والاعلام، وهو النمط الذي تجري به الانتخابات البهائية كافة. ومنذ ذلك التاريخ ازداد عدد المحافل الروحانية المركزية إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه عام ١٩٦٣.
أما بخصوص وظائف بيت العدل الأعظم فقد بيّن حضرة عبد البهاء ذلك على النحو التالي: "يجتمع هؤلاء الأعضاء في مكان ويتذاكرون في كل ما وقع فيه الاختلاف أو في المسائل المبهمة أو في المسائل غير المنصوصة، وكل ما يقررونه هو كالنّص، وحيث أن بيت العدل هو واضع قوانين المعاملات غير المنصوصة فهو أيضاً يستطيع نسخ تلك القوانين."(١٩)
إِنَّ القرارات التي يتخذها بيت العدل الأعظم هي نتيجة المشورة المستفيضة حول كل المسائل المطروحة للبتّ فيها. والمشورة وسيلة استأثرت باهتمام حضرة بهاء الله بشكل خاص، فهي أساسية وضرورية بالنسبة لقيام النظام الإِداري. وهي أنجح الطرق لصيانة الوحدة والتعاضد في إدارة شؤون الجامعة البهائية في أنحاء العالم كافة.
بقي الميثاق دون أن يمسّه أَي تغيير في النظام الذي حدّده حضرة بهاء الله ووسّع مفاهيمه حضرة عبد البهاء. واستمر كالقناة التي تفيض منها أمواج الهداية الإلهيّة وتمنح المرونة المطلوبة في تسيير الشؤون الإنسانيّة، وبقي قناةً سليمةً دائمة الفيض خلال عهود متتالية. وهكذا كانت الحال في عهد حضرة عبد البهاء، ثم في عهد حضرة شوقي أفندي، ومن بعد ذلك في الأعوام التالية منذ انتخاب بيت العدل الأعظم الذي أسّسه حضرة بهاء الله وجعله مصدر السلطة العليا والهداية الدائمة، ووصفه حضرة عبد البهاء بأنَّه "مرجع كل الأمور."(٢٠)
ومن الواضح الجليّ أَنَّ الميثاق كاملٌ في كل بنوده، ويرجع الفضل له في تأسيس النظم البديع. فالمؤسسات الإِدارية العالمية والمركزية والمحلية لهذا النظام بمثابة مراكز للوحدة والاتحاد يلتف حولها أفراد الجامعة البهائية. والتصريح التالي لحضرة شوقي أفندي يقدم لنا وصفاً للميزة الخاصة التي تتمتع بها هذه المؤسسات:
"عندما أنظر إلى المستقبل الآن، تملؤني الآمال في أنْ أرى [البهائيين] في كلّ زمان ومكان، ومن كلّ الاجناس والألوان شخصياتٍ وافكاراً، يلتفّون طوعاً بالسرور والحبور حول مراكز نشاطاتهم المحلية وخاصة المركزية منها. فيعملون على دعم مصالحها وخِدْمتها بتمام الاتحاد والرضا، وكامل التفاهم وخالص الحماس دون ان تَفتُر لهم عزيمة. إنَّ هذا وَحْده حقاً هو غاية الرجاء والسعادة في حياتي، فهو مصدر النّعم والبركات كلها التي سوف تفيض في المستقبل، بالإضافة إلى كونه الأساس العريض الذي يعتمد عليه في نهاية الأمر أمن الصرح الإلهي وسلامته."(٢١)
إنَّ نقاط الالتقاء هذه التي يلتف حولها أعضاء الجامعة البهائية تتيح المجال لتفاعل مفيد، فيَقْوَى الإيمان وتثبت العزائم، وتنبعث من ذلك كلّه علاقات تشبه إلى حد بعيد ما يربط الدوائر ذات المركز المشترك، والتي تعتمد في كل توجهاتها على محور ميثاق حضرة بهاء الله الذي لا يمكن الاستغناء عنه.
وفي هذا الصدد صرّح حضرة شوقي أفندي في رسالة كتبت بالنيابة عنه بما يلي:
"أما بالنسبة لمعنى الميثاق في الدّين البهائي فإِنَّ وليّ أمر الدين البهائي يعتبر الميثاق نوعين، وكلاهما مذكورٌ بصريح العبارة في الآثار البهائية. الأول هو الميثاق الذي يُبرمه كل رسول إِلهي مع البشرية جمعاء، أو مع أتباعه بمعنى أدق، فهو عهد بينه وبينهم بأنْ يعترفوا بالمظهر الإلهي القادم من بعده ويتّبعوه. فالمظهر القادم إنما هو بمثابة عودةٍ لظهور حقيقته [ويصرح حضرة بهاء الله بهذا الصدد بأن رسولاً سيظهر من بعده بعد ألف سنة على الأقل من ظهوره]. أما النوع الثاني فهو الميثاق الذي أبرمه حضرة بهاء الله مع أتباعه وذلك بأن يتّبعوا من استخلفه من بعده أي المولى [حضرة عبد البهاء]. وما هذا الإجراء سوى تثبيت للحقيقة ودعمها من قبل تلك النفوس النيّرة التي تتبع ظهور كل رسول. وبالمثل فإِنَّ الميثاق الذي أبرمه المولى حضرة عبد البهاء مع البهائيين للاعتراف بالنظام الإِداري الذي اقامه خلفاً له، ينتمي هو أيضاً إلى النوع الثاني."(٢٢)
اتسعت خلال القرن الماضي دائرة الوحدة والتآلف التي يحتضنها ميثاق حضرة بهاء الله اتساعاً مطّرداً. وقد تم ذلك والجامعة البهائية تزداد نمواً وانتشاراً في كل أنحاء العالم. أما الآن، وبعد مئة وخمسين عاماً من ظهور رسالة حضرة بهاء الله يستمر الملايين من أتباعه في مئات البلدان والمناطق بالتمسك بوحدتهم وتآزرهم وذلك بواسطة بنود ذلك الميثاق المتين الذي جاء به حضرة بهاء الله.
الميثاق المبرم بين حضرة بهاء الله والمؤمنين من أتباعه
يدلُ كلّ ميثاق ضمناً على اتفاق له قدسيته يبرم بين طرفين. وكما ذُكر آنفاً، أدّى حضرة بهاء الله مهمّته كطرف في هذا الاتفاق بأن جاء بالتعاليم التي من شأنها أَنْ تغيّر ظروف الحياة وتحوّلها باطناً وظاهراً، وعيّن المبيّن الجدير بالاعتماد والقبول ليحول بين المؤمنين من أتباعه وبين اللّبس في فهم مشيئة الله بالنسبة لهم، وإضافة إلى ذلك فقد جاء بالهداية ليرشدهم إلى كيفية بناء المؤسسات التي تهدف إلى تحقيق الوحدة والاتحاد، بحيث يصبح الميثاق مؤثّراً في حياتهم على كل مستويات العيش والوجود، سواء بالنسبة للنظام الاجتماعي او الحياة الخاصة بالأفراد.
أما بالنسبة لأَفراد المؤمنين - أي الطرف الآخر في هذا الاتفاق - فينبغي لهم أَنْ يأخذوا على عواتقهم مسؤولية إطاعة الأحكام والأوامر التي فرضها عليهم الله تعالى، بقصد المحافظة على كرامتهم وتأييداً لمساعيهم لكي يصبحوا على الصورة التي أرادها الله لهم من الشرف والعزة، وذلك عن طريق الدعاء والتأمل، وتلاوة الآثار المقدسة، والقيام بواجبات الصوم، والحياة حياةً عفيفة طاهرة، وأخيراً التحلي بالصدق والأمانة. إنَّ مسؤولية الأفراد في إطار هذا الميثاق هي أنْ يحب بعضهم البعض، وواجبهم هو في إطاعة المؤسسات التي أقامها حضرة بهاء الله وإيلائها المحبة والاحترام. فإِنْ لم يفعل المؤمنون ذلك فانهم يحرمون أنفسهم من النّعم والآلاء النابعة عن هذا الميثاق الذي أبرمه حضرة بهاء الله معهم: "أحببني لأحبّك، إِنْ لم تحبّني لن أحبَّك أبداً فاعرف يا عبد."(٢٣)
القوة الشاملة للتغيير والتحوّل
يمرّ الدين البهائي في الوقت الحاضر بالمرحلة الأولى من ازدهار النفوذ الإلهي المتمثل في تلك السلطة التنفيذية التي غرسها حضرة بهاء الله لإدارة الشؤون الإنسانيّة. وذلك بتأسيسه للميثاق وتعيينه حضرة عبد البهاء مركزاً لذلك الميثاق. وما النفوذ الإلهي إلاّ تعبير عن محبة الله لخلقه، فهو قادر على فتح القلوب وتغيير النفوس، وعن طريقه أيضاً نكتشف قواعدَ للسلوك تقود المجتمع نحو التقدم والازدهار. فالسلطة النافذة المليئة بالمحبة والرأفة الكامنة في قلب الأمر الكريم هي التي تصوغ علاقات المؤمنين على مستوى الجامعة البهائية. وهي أيضاً توجههم نحو إِظهار محبةٍ ذاتِ طابع خاص وإلى المحافظة على الوحدة والتراحم في كل معاملات الواحد تجاه الآخر، وعلى مستوى المؤسسات زوّد الميثاق المؤمنين بالقنوات الإِدارية التي تفيض بالمحبة، كما أَنَّه قام بتحديد علاقاتهم بتلك المؤسسات. وهذه الطاقة على التبديل والتحويل التي يمتلكها الميثاق تعكس العدل والإنصاف. فالإنصاف بمعنى العدل مزيّة رئيسة يتحلّى بها نظام حضرة بهاء الله العالمي، وقد فضّلها على كل ما سواها من المزايا والفضائل إذ وصفها بقوله:"أحبُّ الأشياء عندي الإنصاف."(٢٤)
في هذا الوقت الذي بدأت الإنسانيّة معه بالدخول إلى مرحلة النضج من عمرها، نجد سكان العالم وقد تيقّظوا للحقيقة التي توحّدهم وأدركوا أنَّ الأرض وطن واحد والبشر سكّانه. فالنفوذ الروحي الكامن في ميثاق حضرة بهاء الله زادٌ ضمن ذلك الإطار الكفيل بإزالة كل أنواع الفُرقة والاختلاف الديني والعرقي والطبقي. والميثاق نمطٌ جديدٌ من الأواصر التي تربط البشر بالخالق العظيم. لقد مَنّ الله علينا بهبة غالية، فخصّنا، ولأول مرة في تاريخ الجنس البشري، بإمكانيات روحانية جديدة نستطيع بها بناء المجتمع العالمي الموحّد.
ماهو الدين البهائي
ينتشر البهائيون اليوم في أكثر من مئتين وخمسة وثلاثين بلداً، وهم يمثّـلون أصولاً دينية مختلفة وينتمون إلى أجناس وأعراق وشعوب وقبائل وجنسيات متعددة. أما الدين البهائي فمعترف به رسمياً في العديد من الدول، ومُمثّـل تمثيلاً غير حكومي في هيئة الأمم المتحدة والأوساط الدولية العلمية والاقتصادية.
والبهائيون على اختلاف أصولهم يُصدِّقونَ بما بين أيديهم من الكتب السماوية، يؤمنون بالرسالات السابقة دونما تفريق، ويعتقدون بأن رسالة حضرة بهاء الله - أسوة بغيرها من الرسالات السماوية - لا تمثّـل سوى مرحلة من المراحل المتعاقبة للتطور الروحي الذي يخضع له المجتمع الإنساني.
إِنَّ الدين البهائي دين عالمي مستقل كل الاستقلال عن أي دين آخر. وهو ليس طريقة من الطرق الصوفية، ولا مزيجاً مقتبساً من مبادئ الأديان المختلفة أو شرائعها، كما إنَّه ليس شُعبة من شعب الدين الاسلامي أو المسيحي أو اليهودي. وليس هو إحياء لأي مذهب عقائدي قديم. بل للدين البهائي كتبه المُنزلة، وشرائعه الخاصة، ونظمه الإدارية، وأماكنه المقدسة. أما رسالته الحضارية الموجهة إلى هذا العصر فتتلخص في المبادئ الروحية والاجتماعية التي نصّ عليها لتحقيق نظام عالمي جديد يسوده السلام العام وتنصهر فيه أمم العالم وشعوبه في اتحاد يضمن لجميع أفراد الجنس البشري العدل والرفاهية والاستقرار ويُشيّد حضارة إنسانية دائمة التقدم في ظل هداية إِلهية مستمرة.
يحثّ الدين البهائي أتباعه على الإيمان بالله الواحد الذي لا شريك له، ويعترف بوحدة الرسل والأنبياء دون استثناء، ويؤكد وحدة الجنس البشري، ويفرض على كل مؤمنٍ التخلي عن كل لون من ألوان التعصب والخرافات، ويجزم بأن هدف كل دين هو إشاعة الألفة والوئام، ويعتبر اتفاق الدين والعلم أمراً جوهرياً وعاملاً من أهم العوامل التي تمنح المجتمع البشري السكينة والاطمئنان وتحمله على التقدم والعمران. ولعل من أهم المبادئ التي ينادي بها الدين البهائي مبدأ المساواة في الحقوق بين البشر بما في ذلك المساواة بين الرجل والمرأة، فضلاً عن مبدأ التعليم الإجباري وتوفير الإمكانات لخلق مناخ اجتماعي سليم، فيأمر أتباعه بإزالة الهوّة السحيقة بين الفقراء والأغنياء، ويقضي بعدم تعدد الزوجات، ويُقدّس الكيان العائلي معتبراً الأسرة أساس بناء المجتمع الإنساني الصالح. ويمنع الدين البهائي أتباعه من الاشتغال بالأمور السياسية والحزبية ويشجعهم على الولاء والصدق والصفاء في علاقاتهم مع حكوماتهم وعلى خدمة أوطانهم ورفع شأن مواطنيهم. ولا تَدَع الكتب البهائية مجالاً للشك في أن حضرة بهاء الله سنّ لأتباعه منهجاً للسلوك ونمطاً للتعامل الشريف، فأكد أنّ الحياة الخاصة للفرد مقياس دقيق لإيمانه، ففرض على أتباعه طهارة القول والفكر والعمل، عفّةً وأمانةً وصدقاً وولاءً ونزاهةً ونقاوةً وكرماً، وأمرهم بكل معروف، ونهاهم عن كل منكر. يقول حضرة بهاء الله:
"قل يا قوم دعوا الرذائل وخُذوا الفضائل، كونوا قدوةً حسنةً بين الناس، وصحيفةً يتذكّر بها الأُناس ... كونوا في الطرْف عفيفاً، وفي اليد أميناً، وفي اللسان صادقاً، وفي القلب متذكراً..."(١)
"كن في النعمة مُنفقاً، وفي فقدها شاكراً، وفي الحقوق أميناً ... وفي الوعد وفيّاً، وفي الأمور منصفاً ... [وكن] للمهموم فَرَجاً، وللظمآن بحراً، وللمكروب ملجأ وللمظلوم ناصراً، ... وللغريب وطناً، وللمريض شفاءً، وللمستجير حصناً، وللضرير بصراً، ولمن ضلّ صراطاً، ولوجه الصدق جمالاً، ولهيكل الأمانة طرازاً، ولبيت الأخلاق عرشاً..."(٢)
فتوى ابن تيمية في الطائفة النصيرية ( العلوية) التى ينتمى اليها بشار الاسد
بسم الله الرحمن الرحيم
استكمالا للموضوع السابق
هل تعرف ما هو دين بشار الأسد؟
هذا نص فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية (ت728) في طائفة النصيرية، وهي فتوى نفيسة لشمولها وانطلاقها من منطلقات عقدية مهمة، والحاجة لهذه الفتوى في هذه الأيام لا يخفى، فالنظام السوري الذي جمع النفاق، والطائفية، والإلحاد إلى جانب الظلم، والطغيان، والاستبداد؛ يجب أن يعرى ويكشف لعموم المسلمين، فليست مشكلة النظام السوري مجرد كونه قائماً على العلمانية؛ بل أضاف إلى ذلك عقيدة النصيرية التي هي أشد كفراً وإلحاداً من العلمانية، وتاريخ هذه الطائفة، وهذا النظام الإجرامي لا يخفى على المتابع، وتوظيف هذه الفتوى وغيرها من فتاوى العلماء فيالطائفة النصيرية مفيد في إدارة الصراع، وربط المسلمين بالمنطلقات العقدية، والشرعية.
والاكتفاء بمجرد الحديث حول الاستبداد في هذا النظام تقزيم للإشكاليات الكبرى، وصرف للنظر عن الأهم والأخطر في المشكلة، أما من يدافع عنه باعتباره حاضن للمقاومة، ومدافع عنها فهذه سذاجة فكرية وسياسية، وقراءة سطحية لتحولات الفكر والسياسة، وقراءة منقوصة للأحداث والتاريخ.
نترك إخواننا القراء الكرام مع هذه الفتوى الخطيرة التي تكشف الأبعاد العقدية والفكرية للواقع المعاصر المؤلم في بلاد الشام.
نص فتوى ابن تيمية في النصيريةوسئل رحمه الله تعالى ما تقول السادة العلماء أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين وأعانهم على إظهار الحق المبين وإخماد شعب المبطلين : في " النصيرية " القائلين باستحلال الخمر وتناسخ الأرواح وقدم العالم وإنكار البعث والنشور والجنة والنار في غير الحياة الدنيا وبأن " الصلوات الخمس " عبارة عن خمسة أسماء وهي : علي وحسن وحسين ومحسن وفاطمة .
فذكر هذه الأسماء الخمسة على رأيهم يجزئهم عن الغسل من الجنابة والوضوء وبقية شروط الصلوات الخمسة وواجباتها . وبأن " الصيام " عندهم عبارة عن اسم ثلاثين رجلا واسم ثلاثين امرأة يعدونهم في كتبهم ويضيق هذا الموضع عن إبرازهم ; وبأن إلههم الذي خلق السموات والأرض هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه فهو عندهم الإله في السماء والإمام في الأرض فكانت الحكمة في ظهور اللاهوت بهذا الناسوت على رأيهم أن يؤنس خلقه وعبيده ; ليعلمهم كيف يعرفونه ويعبدونه .
وبأن النصيري عندهم لا يصير نصيريا مؤمنا يجالسونه ويشربون معه الخمر ويطلعونه على أسرارهم ويزوجونه من نسائهم : حتى يخاطبه معلمه . وحقيقة الخطاب عندهم أن يحلفوه على كتمان دينه ومعرفة مشايخه وأكابر أهل مذهبه ; وعلى ألا ينصح مسلما ولا غيره إلا من كان من أهل دينه وعلى أن يعرف ربه وإمامه بظهوره في أنواره وأدواره فيعرف انتقال الاسم والمعنى في كل حين وزمان .
فالاسم عندهم في أول الناس آدم والمعنى هو شيث والاسم يعقوب والمعنى هو يوسف . ويستدلون على هذه الصورة كما يزعمون بما في القرآن العظيم حكاية عن يعقوب ويوسف - عليهما الصلاة والسلام - فيقولون : أما يعقوب فإنه كان الاسم فما قدر أن يتعدى منزلته فقال : { سوف أستغفر لكم ربي } وأما يوسف فكان المعنى المطلوب فقال : { لا تثريب عليكم اليوم } فلم يعلق الأمر بغيره ; لأنه علم أنه الإله المتصرف ويجعلون موسى هو الاسم ويوشع هو المعنى ويقولون : يوشع ردت له الشمس لما أمرها فأطاعت أمره .
وهل ترد الشمس إلا لربها ويجعلون سليمان هو الاسم وآصف هو المعنى القادر المقتدر . ويقولون : سليمان عجز عن إحضار عرش بلقيس وقدر عليه آصف لأن سليمان كان الصورة وآصف كان المعنى القادر المقتدر وقد قال قائلهم :
هابيل شيث يوسف يوشع آصف شمعون الصفا حيدر
ويعدون الأنبياء والمرسلين واحدا واحدا على هذا النمط إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون : محمد هو الاسم وعلي هو المعنى ويوصلون العدد على هذا الترتيب في كل زمان إلى وقتنا هذا .
فمن حقيقة الخطاب في الدين عندهم أن عليا هو الرب وأن محمدا هو الحجاب وأن سلمان هو الباب وأنشد بعض أكابر رؤسائهم وفضلائهم لنفسه في شهور سنة سبعمائة فقال :
أشهد أن لا إله إلا حيدرة الأنزع البطـــين
ولا حجاب عليه إلا محمد الصادق الأمين
ولا طريق إليـــــــــــــه إلا سلمان ذو القوة المتين
ويقولون إن ذلك على هذا الترتيب لم يزل ولا يزال وكذلك الخمسة الأيتام والاثنا عشر نقيبا وأسماؤهم مشهورة عندهم ومعلومة من كتبهم الخبيثة وأنهم لا يزالون يظهرون مع الرب والحجاب والباب في كل كور ودور أبدا سرمدا على الدوام والاستمرار ويقولون : إن إبليس الأبالسة هو عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ويليه في رتبة الإبليسية أبو بكر رضي الله عنه ثم عثمان - رضي الله عنهم أجمعين وشرفهم وأعلى رتبهم عن أقوال الملحدين وانتحال أنواع الضالين والمفسدين - فلا يزالون موجودين في كل وقت دائما حسبما ذكر من الترتيب.
ولمذاهبهم الفاسدة شعب وتفاصيل ترجع إلى هذه الأصول المذكورة . وهذه الطائفة الملعونة استولت على جانب كبير من بلاد الشام ( وهم معروفون مشهورون متظاهرون بهذا المذهب وقد حقق أحوالهم كل من خالطهم وعرفهم من عقلاء المسلمين وعلمائهم ومن عامة الناس أيضا في هذا الزمان ; لأن أحوالهم كانت مستورة عن أكثر الناس وقت استيلاء الإفرنج المخذولين على البلاد الساحلية ; فلما جاءت أيام الإسلام انكشف حالهم وظهر ضلالهم . والابتلاء بهم كثير جدا .
فهل يجوز لمسلم أن يزوجهم أو يتزوج منهم ؟ وهل يحل أكل ذبائحهم والحالة هذه أم لا ؟ وما حكم الجبن المعمول من إنفحة ذبيحتهم ؟ وما حكم أوانيهم وملابسهم ؟ وهل يجوز دفنهم بين المسلمين أم لا ؟ وهل يجوز استخدامهم في ثغور المسلمين وتسليمها إليهم ؟
أم يجب على ولي الأمر قطعهم واستخدام غيرهم من رجال المسلمين الكفاة وهل يأثم إذا أخر طردهم ؟ أم يجوز له التمهل مع أن في عزمه ذلك ؟ وإذا استخدمهم وأقطعهم أو لم يقطعهم هل يجوز له صرف أموال بيت المال عليهم وإذا صرفها وتأخر لبعضهم بقية من معلومه المسمى ; فأخره ولي الأمر عنه وصرفه على غيره من المسلمين أو المستحقين أو أرصده لذلك هل يجوز له فعل هذه الصور ؟ أم يجب عليه ؟
وهل دماء النصيرية المذكورين مباحة وأموالهم حلال أم لا ؟ وإذا جاهدهم ولي الأمر أيده الله تعالى بإخماد باطلهم وقطعهم من حصون المسلمين وحذر أهل الإسلام من مناكحتهم وأكل ذبائحهم وألزمهم بالصوم والصلاة ومنعهم من إظهار دينهم الباطل وهم الذين يلونه من الكفار : هل ذلك أفضل وأكثر أجرا من التصدي والترصد لقتال التتار في بلادهم وهدم بلاد سيس وديار الإفرنج على أهلها ؟
أم هذا أفضل من كونه يجاهد النصيرية المذكورين مرابطا ؟ ويكون أجر من رابط في الثغور على ساحل البحر خشية قصد الفرنج أكبر أم هذا أكبر أجرا ؟ وهل يجب على من عرف المذكورين ومذاهبهم أن يشهر أمرهم ويساعد على إبطال باطلهم وإظهار الإسلام بينهم فلعل الله تعالى أن يهدي بعضهم إلى الإسلام وأن يجعل من ذريتهم وأولادهم مسلمين بعد خروجهم من ذلك الكفر العظيم أم يجوز التغافل عنهم والإهمال ؟ وما قدر المجتهد على ذلك والمجاهد فيه والمرابط له والملازم عليه ؟ ولتبسطوا القول في ذلك مثابين مأجورين إن شاء الله تعالى إنه على كل شيء قدير ; وحسبنا الله ونعم الوكيل .
فأجاب شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية : الحمد لله رب العالمين . هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى ; بل وأكفر من كثير من المشركين وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم .
فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه ولا بأمر ولا نهي ولا ثواب ولا عقاب ولا جنة ولا نار ولا بأحد من المرسلين قبل محمد صلى الله عليه وسلم ولا بملة من الملل السالفة بل يأخذون كلام الله ورسوله المعروف عند علماء المسلمين يتأولونه على أمور يفترونها ; يدعون أنها علم الباطن ; من جنس ما ذكره السائل ومن غير هذا الجنس .
فإنه ليس لهم حد محدود فيما يدعونه من الإلحاد في أسماء الله تعالى وآياته وتحريف كلام الله تعالى ورسوله عن مواضعه ; إذ مقصودهم إنكار الإيمان وشرائع الإسلام بكل طريق مع التظاهر بأن لهذه الأمور حقائق يعرفونها من جنس ما ذكر السائل ومن جنس قولهم : إن " الصلوات الخمس " معرفة أسرارهم و " الصيام المفروض " كتمان أسرارهم " وحج البيت العتيق " زيارة شيوخهم وأن ( يدا أبي لهب هما أبو بكر وعمر) وأن ( النبأ العظيم والإمام المبين هو علي بن أبي طالب) ; ولهم في معاداة الإسلام وأهله وقائع مشهورة وكتب مصنفة فإذا كانت لهم مكنة سفكوا دماء المسلمين .
كما قتلوا مرة الحجاج وألقوهم في بئر زمزم وأخذوا مرة الحجر الأسود وبقي عندهم مدة وقتلوا من علماء المسلمين ومشايخهم ما لا يحصي عدده إلا الله تعالى وصنفوا كتبا كثيرة مما ذكره السائل وغيره وصنف علماء المسلمين كتبا في كشف أسرارهم وهتك أستارهم ; وبينوا فيها ما هم عليه من الكفر والزندقة والإلحاد الذي هم به أكفر من اليهود والنصارى ومن براهمة الهند الذين يعبدون الأصنام .
وما ذكره السائل في وصفهم قليل من الكثير الذي يعرفه العلماء في وصفهم . ومن المعلوم عندنا أن السواحل الشامية إنما استولى عليها النصارى من جهتهم وهم دائما مع كل عدو للمسلمين ; فهم مع النصارى على المسلمين . ومن أعظم المصائب عندهم فتح المسلمين للسواحل وانقهار النصارى ; بل ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار .
ومن أعظم أعيادهم إذا استولى - والعياذ بالله تعالى - النصارى على ثغور المسلمين فإن ثغور المسلمين ما زالت بأيدي المسلمين حتى جزيرة قبرص يسر الله فتحها عن قريب وفتحها المسلمون في خلافة أمير المؤمنين " عثمان بن عفان " رضي الله عنه فتحها " معاوية بن أبي سفيان " إلى أثناء المائة الرابعة .
فهؤلاء المحادون لله ورسوله كثروا حينئذ بالسواحل وغيرها فاستولى النصارى على الساحل ; ثم بسببهم استولوا على القدس الشريف وغيره ; فإن أحوالهم كانت من أعظم الأسباب في ذلك ; ثم لما أقام الله ملوك المسلمين المجاهدين في سبيل الله تعالى " كنور الدين الشهيد وصلاح الدين " وأتباعهما وفتحوا السواحل من النصارى وممن كان بها منهم وفتحوا أيضا أرض مصر ; فإنهم كانوا مستولين عليها نحو مائتي سنة واتفقوا هم والنصارى فجاهدهم المسلمون حتى فتحوا البلاد ومن ذلك التاريخ انتشرت دعوة الإسلام بالديار المصرية والشامية.
ثم إن التتار ما دخلوا بلاد الإسلام وقتلوا خليفة بغداد وغيره من ملوك المسلمين إلا بمعاونتهم ومؤازرتهم ; فإن منجم هولاكو الذي كان وزيرهم وهو " النصير [ ص: 152 ] الطوسي " كان وزيرا لهم بالألموت وهو الذي أمر بقتل الخليفة وبولاية هؤلاء . ولهم " ألقاب " معروفة عند المسلمين تارة يسمون " الملاحدة " وتارة يسمون " القرامطة " وتارة يسمون " الباطنية " وتارة يسمون " الإسماعيلية " و تارة يسمون " النصيرية " وتارة يسمون " الخرمية " وتارة يسمون " المحمرة " وهذه الأسماء منها ما يعمهم ومنها ما يخص بعض أصنافهم كما أن الإسلام والإيمان يعم المسلمين ولبعضهم اسم يخصه : إما لنسب وإما لمذهب وإما لبلد وإما لغير ذلك .
وشرح مقاصدهم يطول وهم كما قال العلماء فيهم : ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض . وحقيقة أمرهم أنهم لا يؤمنون بنبي من من الأنبياء والمرسلين ; لا بنوح ولا إبراهيم ولا موسى ولا عيسى ولا محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولا بشيء من كتب الله المنزلة ; لا التوراة ولا الإنجيل ولا القرآن . ولا يقرون بأن للعالم خالقا خلقه ; ولا بأن له دينا أمر به ولا أن له دارا يجزي الناس فيها على أعمالهم غير هذه الدار .
وهم تارة يبنون قولهم على مذاهب الفلاسفة الطبيعيين أو الإلهيين وتارة يبنونه على قول المجوس الذين يعبدون النور ويضمون إلى ذلك الرفض .
ويحتجون لذلك من كلام النبوات : إما بقول مكذوب ينقلونه كما ينقلون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أول ما خلق الله العقل } والحديث موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث ; ولفظه " { إن الله لما خلق العقل فقال له : أقبل فأقبل .
فقال له : أدبر فأدبر } فيحرفون لفظه فيقولون " { أول ما خلق الله العقل } ليوافقوا قول المتفلسفة أتباع أرسطو في أن أول الصادرات عن واجب الوجود هو العقل . وإما بلفظ ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيحرفونه عن مواضعه كما يصنع أصحاب " رسائل إخوان الصفا " ونحوهم فإنهم من أئمتهم .
وقد دخل كثير من باطلهم على كثير من المسلمين وراج عليهم حتى صار ذلك في كتب طوائف من المنتسبين إلى العلم والدين ; وإن كانوا لا يوافقونهم على أصل كفرهم ; فإن هؤلاء لهم في إظهار دعوتهم الملعونة التي يسمونها " الدعوة الهادية " درجات متعددة ويسمون النهاية " البلاغ الأكبر والناموس الأعظم " ومضمون البلاغ الأكبر جحد الخالق تعالى ; والاستهزاء به وبمن يقر به حتى قد يكتب أحدهم اسم الله في أسفل رجله وفيه أيضا جحد شرائعه ودينه وما جاء به الأنبياء ودعوى أنهم كانوا من جنسهم طالبين للرئاسة فمنهم من أحسن في طلبها ومنهم من أساء في طلبها حتى قتل ويجعلون محمدا وموسى من القسم الأول ويجعلون المسيح من القسم الثاني .
وفيه من الاستهزاء بالصلاة والزكاة والصوم والحج ومن تحليل نكاح ذوات المحارم وسائر الفواحش : ما يطول وصفه . ولهم إشارات ومخاطبات يعرف بها بعضهم بعضا . وهم إذا كانوا في بلاد المسلمين التي يكثر فيها أهل الإيمان فقد يخفون على من لا يعرفهم وأما إذا كثروا فإنه يعرفهم عامة الناس فضلا عن خاصتهم .
وقد اتفق علماء المسلمين على أن هؤلاء لا تجوز مناكحتهم ; ولا يجوز أن ينكح الرجل مولاته منهم ولا يتزوج منهم امرأة ولا تباح ذبائحهم .
وأما " الجبن المعمول بإنفحتهم " ففيه قولان مشهوران للعلماء كسائر إنفحة الميتة وكإنفحة ذبيحة المجوس ; وذبيحة الفرنج الذين يقال عنهم إنهم لا يذكون الذبائح .
فمذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين أنه يحل هذا الجبن ; لأن إنفحة الميتة طاهرة على هذا القول ; لأن الإنفحة لا تموت بموت البهيمة وملاقاة الوعاء النجس في الباطن لا ينجس .
ومذهب مالك والشافعي وأحمد في الرواية الأخرى أن هذا الجبن نجس لأن الإنفحة عند هؤلاء نجسة ; لأن لبن الميتة وإنفحتها عندهم نجس . ومن لا تؤكل ذبيحته فذبيحته كالميتة.
وكل من أصحاب القولين يحتج بآثار ينقلها عن الصحابة فأصحاب القول الأول نقلوا أنهم أكلوا جبن المجوس .
وأصحاب القول الثاني نقلوا أنهم أكلوا ما كانوا يظنون أنه من جبن النصارى . فهذه مسألة اجتهاد ; للمقلد أن يقلد من يفتي بأحد القولين .
وأما " أوانيهم وملابسهم " فكأواني المجوس وملابس المجوس على ما عرف من مذاهب الأئمة .
والصحيح في ذلك أن أوانيهم لا تستعمل إلا بعد غسلها ; فإن ذبائحهم ميتة فلا بد أن يصيب أوانيهم المستعملة ما يطبخونه من ذبائحهم فتنجس بذلك فأما الآنية التي لا يغلب على الظن وصول النجاسة إليها فتستعمل من غير غسل كآنية اللبن التي لا يضعون فيها طبيخهم أو يغسلونها قبل وضع اللبن فيها وقد توضأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه من جرة نصرانية . فما شك في نجاسته لم يحكم بنجاسته بالشك .
ولا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين ولا يصلى على من مات منهم ; فإن الله سبحانه وتعالى نهى نبيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المنافقين : كعبد الله ابن أبي ونحوه ; وكانوا يتظاهرون بالصلاة والزكاة والصيام والجهاد مع المسلمين ; ولا يظهرون مقالة تخالف دين الإسلام ; لكن يسرون ذلك فقال الله : { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون } فكيف بهؤلاء الذين هم مع الزندقة والنفاق يظهرون الكفر والإلحاد .
وأما استخدام مثل هؤلاء في ثغور المسلمين أو حصونهم أو جندهم فإنه من الكبائر وهو بمنزلة من يستخدم الذئاب لرعي الغنم ; فإنهم من أغش الناس للمسلمين ولولاة أمورهم وهم أحرص الناس على فساد المملكة والدولة وهم شر من المخامر الذي يكون في العسكر ; فإن المخامر قد يكون له غرض : إما مع أمير العسكر وإما مع العدو .
وهؤلاء مع الملة ونبيها ودينها وملوكها ; وعلمائها وعامتها وخاصتها وهم أحرص الناس على تسليم الحصون إلى عدو المسلمين وعلى إفساد الجند على ولي الأمر وإخراجهم عن طاعته .
والواجب على ولاة الأمور قطعهم من دواوين المقاتلة فلا يتركون في ثغر ولا في غير ثغر ; فإن ضررهم في الثغر أشد وأن يستخدم بدلهم من يحتاج إلى استخدامه من الرجال المأمونين على دين الإسلام وعلى النصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ; بل إذا كان ولي الأمر لا يستخدم من يغشه وإن كان مسلما فكيف بمن يغش المسلمين كلهم ولا يجوز له تأخير هذا الواجب مع القدرة عليه بل أي وقت قدر على الاستبدال بهم وجب عليه ذلك .
وأما إذا استخدموا وعملوا العمل المشروط عليهم فلهم إما المسمى وإما أجرة المثل لأنهم عوقدوا على ذلك .
فإن كان العقد صحيحا وجب المسمى وإن كان فاسدا وجبت أجرة المثل وإن لم يكن استخدامهم من جنس الإجارة اللازمة فهي من جنس الجعالة الجائزة ; لكن هؤلاء لا يجوز استخدامهم فالعقد عقد فاسد فلا يستحقون إلا قيمة عملهم . فإن لم يكونوا عملوا عملا له قيمة فلا شيء لهم ; لكن دماؤهم وأموالهم مباحة.
استكمالا للموضوع السابق
هل تعرف ما هو دين بشار الأسد؟
هذا نص فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية (ت728) في طائفة النصيرية، وهي فتوى نفيسة لشمولها وانطلاقها من منطلقات عقدية مهمة، والحاجة لهذه الفتوى في هذه الأيام لا يخفى، فالنظام السوري الذي جمع النفاق، والطائفية، والإلحاد إلى جانب الظلم، والطغيان، والاستبداد؛ يجب أن يعرى ويكشف لعموم المسلمين، فليست مشكلة النظام السوري مجرد كونه قائماً على العلمانية؛ بل أضاف إلى ذلك عقيدة النصيرية التي هي أشد كفراً وإلحاداً من العلمانية، وتاريخ هذه الطائفة، وهذا النظام الإجرامي لا يخفى على المتابع، وتوظيف هذه الفتوى وغيرها من فتاوى العلماء فيالطائفة النصيرية مفيد في إدارة الصراع، وربط المسلمين بالمنطلقات العقدية، والشرعية.
والاكتفاء بمجرد الحديث حول الاستبداد في هذا النظام تقزيم للإشكاليات الكبرى، وصرف للنظر عن الأهم والأخطر في المشكلة، أما من يدافع عنه باعتباره حاضن للمقاومة، ومدافع عنها فهذه سذاجة فكرية وسياسية، وقراءة سطحية لتحولات الفكر والسياسة، وقراءة منقوصة للأحداث والتاريخ.
نترك إخواننا القراء الكرام مع هذه الفتوى الخطيرة التي تكشف الأبعاد العقدية والفكرية للواقع المعاصر المؤلم في بلاد الشام.
نص فتوى ابن تيمية في النصيريةوسئل رحمه الله تعالى ما تقول السادة العلماء أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين وأعانهم على إظهار الحق المبين وإخماد شعب المبطلين : في " النصيرية " القائلين باستحلال الخمر وتناسخ الأرواح وقدم العالم وإنكار البعث والنشور والجنة والنار في غير الحياة الدنيا وبأن " الصلوات الخمس " عبارة عن خمسة أسماء وهي : علي وحسن وحسين ومحسن وفاطمة .
فذكر هذه الأسماء الخمسة على رأيهم يجزئهم عن الغسل من الجنابة والوضوء وبقية شروط الصلوات الخمسة وواجباتها . وبأن " الصيام " عندهم عبارة عن اسم ثلاثين رجلا واسم ثلاثين امرأة يعدونهم في كتبهم ويضيق هذا الموضع عن إبرازهم ; وبأن إلههم الذي خلق السموات والأرض هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه فهو عندهم الإله في السماء والإمام في الأرض فكانت الحكمة في ظهور اللاهوت بهذا الناسوت على رأيهم أن يؤنس خلقه وعبيده ; ليعلمهم كيف يعرفونه ويعبدونه .
وبأن النصيري عندهم لا يصير نصيريا مؤمنا يجالسونه ويشربون معه الخمر ويطلعونه على أسرارهم ويزوجونه من نسائهم : حتى يخاطبه معلمه . وحقيقة الخطاب عندهم أن يحلفوه على كتمان دينه ومعرفة مشايخه وأكابر أهل مذهبه ; وعلى ألا ينصح مسلما ولا غيره إلا من كان من أهل دينه وعلى أن يعرف ربه وإمامه بظهوره في أنواره وأدواره فيعرف انتقال الاسم والمعنى في كل حين وزمان .
فالاسم عندهم في أول الناس آدم والمعنى هو شيث والاسم يعقوب والمعنى هو يوسف . ويستدلون على هذه الصورة كما يزعمون بما في القرآن العظيم حكاية عن يعقوب ويوسف - عليهما الصلاة والسلام - فيقولون : أما يعقوب فإنه كان الاسم فما قدر أن يتعدى منزلته فقال : { سوف أستغفر لكم ربي } وأما يوسف فكان المعنى المطلوب فقال : { لا تثريب عليكم اليوم } فلم يعلق الأمر بغيره ; لأنه علم أنه الإله المتصرف ويجعلون موسى هو الاسم ويوشع هو المعنى ويقولون : يوشع ردت له الشمس لما أمرها فأطاعت أمره .
وهل ترد الشمس إلا لربها ويجعلون سليمان هو الاسم وآصف هو المعنى القادر المقتدر . ويقولون : سليمان عجز عن إحضار عرش بلقيس وقدر عليه آصف لأن سليمان كان الصورة وآصف كان المعنى القادر المقتدر وقد قال قائلهم :
هابيل شيث يوسف يوشع آصف شمعون الصفا حيدر
ويعدون الأنبياء والمرسلين واحدا واحدا على هذا النمط إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون : محمد هو الاسم وعلي هو المعنى ويوصلون العدد على هذا الترتيب في كل زمان إلى وقتنا هذا .
فمن حقيقة الخطاب في الدين عندهم أن عليا هو الرب وأن محمدا هو الحجاب وأن سلمان هو الباب وأنشد بعض أكابر رؤسائهم وفضلائهم لنفسه في شهور سنة سبعمائة فقال :
أشهد أن لا إله إلا حيدرة الأنزع البطـــين
ولا حجاب عليه إلا محمد الصادق الأمين
ولا طريق إليـــــــــــــه إلا سلمان ذو القوة المتين
ويقولون إن ذلك على هذا الترتيب لم يزل ولا يزال وكذلك الخمسة الأيتام والاثنا عشر نقيبا وأسماؤهم مشهورة عندهم ومعلومة من كتبهم الخبيثة وأنهم لا يزالون يظهرون مع الرب والحجاب والباب في كل كور ودور أبدا سرمدا على الدوام والاستمرار ويقولون : إن إبليس الأبالسة هو عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ويليه في رتبة الإبليسية أبو بكر رضي الله عنه ثم عثمان - رضي الله عنهم أجمعين وشرفهم وأعلى رتبهم عن أقوال الملحدين وانتحال أنواع الضالين والمفسدين - فلا يزالون موجودين في كل وقت دائما حسبما ذكر من الترتيب.
ولمذاهبهم الفاسدة شعب وتفاصيل ترجع إلى هذه الأصول المذكورة . وهذه الطائفة الملعونة استولت على جانب كبير من بلاد الشام ( وهم معروفون مشهورون متظاهرون بهذا المذهب وقد حقق أحوالهم كل من خالطهم وعرفهم من عقلاء المسلمين وعلمائهم ومن عامة الناس أيضا في هذا الزمان ; لأن أحوالهم كانت مستورة عن أكثر الناس وقت استيلاء الإفرنج المخذولين على البلاد الساحلية ; فلما جاءت أيام الإسلام انكشف حالهم وظهر ضلالهم . والابتلاء بهم كثير جدا .
فهل يجوز لمسلم أن يزوجهم أو يتزوج منهم ؟ وهل يحل أكل ذبائحهم والحالة هذه أم لا ؟ وما حكم الجبن المعمول من إنفحة ذبيحتهم ؟ وما حكم أوانيهم وملابسهم ؟ وهل يجوز دفنهم بين المسلمين أم لا ؟ وهل يجوز استخدامهم في ثغور المسلمين وتسليمها إليهم ؟
أم يجب على ولي الأمر قطعهم واستخدام غيرهم من رجال المسلمين الكفاة وهل يأثم إذا أخر طردهم ؟ أم يجوز له التمهل مع أن في عزمه ذلك ؟ وإذا استخدمهم وأقطعهم أو لم يقطعهم هل يجوز له صرف أموال بيت المال عليهم وإذا صرفها وتأخر لبعضهم بقية من معلومه المسمى ; فأخره ولي الأمر عنه وصرفه على غيره من المسلمين أو المستحقين أو أرصده لذلك هل يجوز له فعل هذه الصور ؟ أم يجب عليه ؟
وهل دماء النصيرية المذكورين مباحة وأموالهم حلال أم لا ؟ وإذا جاهدهم ولي الأمر أيده الله تعالى بإخماد باطلهم وقطعهم من حصون المسلمين وحذر أهل الإسلام من مناكحتهم وأكل ذبائحهم وألزمهم بالصوم والصلاة ومنعهم من إظهار دينهم الباطل وهم الذين يلونه من الكفار : هل ذلك أفضل وأكثر أجرا من التصدي والترصد لقتال التتار في بلادهم وهدم بلاد سيس وديار الإفرنج على أهلها ؟
أم هذا أفضل من كونه يجاهد النصيرية المذكورين مرابطا ؟ ويكون أجر من رابط في الثغور على ساحل البحر خشية قصد الفرنج أكبر أم هذا أكبر أجرا ؟ وهل يجب على من عرف المذكورين ومذاهبهم أن يشهر أمرهم ويساعد على إبطال باطلهم وإظهار الإسلام بينهم فلعل الله تعالى أن يهدي بعضهم إلى الإسلام وأن يجعل من ذريتهم وأولادهم مسلمين بعد خروجهم من ذلك الكفر العظيم أم يجوز التغافل عنهم والإهمال ؟ وما قدر المجتهد على ذلك والمجاهد فيه والمرابط له والملازم عليه ؟ ولتبسطوا القول في ذلك مثابين مأجورين إن شاء الله تعالى إنه على كل شيء قدير ; وحسبنا الله ونعم الوكيل .
فأجاب شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية : الحمد لله رب العالمين . هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى ; بل وأكفر من كثير من المشركين وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم .
فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه ولا بأمر ولا نهي ولا ثواب ولا عقاب ولا جنة ولا نار ولا بأحد من المرسلين قبل محمد صلى الله عليه وسلم ولا بملة من الملل السالفة بل يأخذون كلام الله ورسوله المعروف عند علماء المسلمين يتأولونه على أمور يفترونها ; يدعون أنها علم الباطن ; من جنس ما ذكره السائل ومن غير هذا الجنس .
فإنه ليس لهم حد محدود فيما يدعونه من الإلحاد في أسماء الله تعالى وآياته وتحريف كلام الله تعالى ورسوله عن مواضعه ; إذ مقصودهم إنكار الإيمان وشرائع الإسلام بكل طريق مع التظاهر بأن لهذه الأمور حقائق يعرفونها من جنس ما ذكر السائل ومن جنس قولهم : إن " الصلوات الخمس " معرفة أسرارهم و " الصيام المفروض " كتمان أسرارهم " وحج البيت العتيق " زيارة شيوخهم وأن ( يدا أبي لهب هما أبو بكر وعمر) وأن ( النبأ العظيم والإمام المبين هو علي بن أبي طالب) ; ولهم في معاداة الإسلام وأهله وقائع مشهورة وكتب مصنفة فإذا كانت لهم مكنة سفكوا دماء المسلمين .
كما قتلوا مرة الحجاج وألقوهم في بئر زمزم وأخذوا مرة الحجر الأسود وبقي عندهم مدة وقتلوا من علماء المسلمين ومشايخهم ما لا يحصي عدده إلا الله تعالى وصنفوا كتبا كثيرة مما ذكره السائل وغيره وصنف علماء المسلمين كتبا في كشف أسرارهم وهتك أستارهم ; وبينوا فيها ما هم عليه من الكفر والزندقة والإلحاد الذي هم به أكفر من اليهود والنصارى ومن براهمة الهند الذين يعبدون الأصنام .
وما ذكره السائل في وصفهم قليل من الكثير الذي يعرفه العلماء في وصفهم . ومن المعلوم عندنا أن السواحل الشامية إنما استولى عليها النصارى من جهتهم وهم دائما مع كل عدو للمسلمين ; فهم مع النصارى على المسلمين . ومن أعظم المصائب عندهم فتح المسلمين للسواحل وانقهار النصارى ; بل ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار .
ومن أعظم أعيادهم إذا استولى - والعياذ بالله تعالى - النصارى على ثغور المسلمين فإن ثغور المسلمين ما زالت بأيدي المسلمين حتى جزيرة قبرص يسر الله فتحها عن قريب وفتحها المسلمون في خلافة أمير المؤمنين " عثمان بن عفان " رضي الله عنه فتحها " معاوية بن أبي سفيان " إلى أثناء المائة الرابعة .
فهؤلاء المحادون لله ورسوله كثروا حينئذ بالسواحل وغيرها فاستولى النصارى على الساحل ; ثم بسببهم استولوا على القدس الشريف وغيره ; فإن أحوالهم كانت من أعظم الأسباب في ذلك ; ثم لما أقام الله ملوك المسلمين المجاهدين في سبيل الله تعالى " كنور الدين الشهيد وصلاح الدين " وأتباعهما وفتحوا السواحل من النصارى وممن كان بها منهم وفتحوا أيضا أرض مصر ; فإنهم كانوا مستولين عليها نحو مائتي سنة واتفقوا هم والنصارى فجاهدهم المسلمون حتى فتحوا البلاد ومن ذلك التاريخ انتشرت دعوة الإسلام بالديار المصرية والشامية.
ثم إن التتار ما دخلوا بلاد الإسلام وقتلوا خليفة بغداد وغيره من ملوك المسلمين إلا بمعاونتهم ومؤازرتهم ; فإن منجم هولاكو الذي كان وزيرهم وهو " النصير [ ص: 152 ] الطوسي " كان وزيرا لهم بالألموت وهو الذي أمر بقتل الخليفة وبولاية هؤلاء . ولهم " ألقاب " معروفة عند المسلمين تارة يسمون " الملاحدة " وتارة يسمون " القرامطة " وتارة يسمون " الباطنية " وتارة يسمون " الإسماعيلية " و تارة يسمون " النصيرية " وتارة يسمون " الخرمية " وتارة يسمون " المحمرة " وهذه الأسماء منها ما يعمهم ومنها ما يخص بعض أصنافهم كما أن الإسلام والإيمان يعم المسلمين ولبعضهم اسم يخصه : إما لنسب وإما لمذهب وإما لبلد وإما لغير ذلك .
وشرح مقاصدهم يطول وهم كما قال العلماء فيهم : ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض . وحقيقة أمرهم أنهم لا يؤمنون بنبي من من الأنبياء والمرسلين ; لا بنوح ولا إبراهيم ولا موسى ولا عيسى ولا محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولا بشيء من كتب الله المنزلة ; لا التوراة ولا الإنجيل ولا القرآن . ولا يقرون بأن للعالم خالقا خلقه ; ولا بأن له دينا أمر به ولا أن له دارا يجزي الناس فيها على أعمالهم غير هذه الدار .
وهم تارة يبنون قولهم على مذاهب الفلاسفة الطبيعيين أو الإلهيين وتارة يبنونه على قول المجوس الذين يعبدون النور ويضمون إلى ذلك الرفض .
ويحتجون لذلك من كلام النبوات : إما بقول مكذوب ينقلونه كما ينقلون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أول ما خلق الله العقل } والحديث موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث ; ولفظه " { إن الله لما خلق العقل فقال له : أقبل فأقبل .
فقال له : أدبر فأدبر } فيحرفون لفظه فيقولون " { أول ما خلق الله العقل } ليوافقوا قول المتفلسفة أتباع أرسطو في أن أول الصادرات عن واجب الوجود هو العقل . وإما بلفظ ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيحرفونه عن مواضعه كما يصنع أصحاب " رسائل إخوان الصفا " ونحوهم فإنهم من أئمتهم .
وقد دخل كثير من باطلهم على كثير من المسلمين وراج عليهم حتى صار ذلك في كتب طوائف من المنتسبين إلى العلم والدين ; وإن كانوا لا يوافقونهم على أصل كفرهم ; فإن هؤلاء لهم في إظهار دعوتهم الملعونة التي يسمونها " الدعوة الهادية " درجات متعددة ويسمون النهاية " البلاغ الأكبر والناموس الأعظم " ومضمون البلاغ الأكبر جحد الخالق تعالى ; والاستهزاء به وبمن يقر به حتى قد يكتب أحدهم اسم الله في أسفل رجله وفيه أيضا جحد شرائعه ودينه وما جاء به الأنبياء ودعوى أنهم كانوا من جنسهم طالبين للرئاسة فمنهم من أحسن في طلبها ومنهم من أساء في طلبها حتى قتل ويجعلون محمدا وموسى من القسم الأول ويجعلون المسيح من القسم الثاني .
وفيه من الاستهزاء بالصلاة والزكاة والصوم والحج ومن تحليل نكاح ذوات المحارم وسائر الفواحش : ما يطول وصفه . ولهم إشارات ومخاطبات يعرف بها بعضهم بعضا . وهم إذا كانوا في بلاد المسلمين التي يكثر فيها أهل الإيمان فقد يخفون على من لا يعرفهم وأما إذا كثروا فإنه يعرفهم عامة الناس فضلا عن خاصتهم .
وقد اتفق علماء المسلمين على أن هؤلاء لا تجوز مناكحتهم ; ولا يجوز أن ينكح الرجل مولاته منهم ولا يتزوج منهم امرأة ولا تباح ذبائحهم .
وأما " الجبن المعمول بإنفحتهم " ففيه قولان مشهوران للعلماء كسائر إنفحة الميتة وكإنفحة ذبيحة المجوس ; وذبيحة الفرنج الذين يقال عنهم إنهم لا يذكون الذبائح .
فمذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين أنه يحل هذا الجبن ; لأن إنفحة الميتة طاهرة على هذا القول ; لأن الإنفحة لا تموت بموت البهيمة وملاقاة الوعاء النجس في الباطن لا ينجس .
ومذهب مالك والشافعي وأحمد في الرواية الأخرى أن هذا الجبن نجس لأن الإنفحة عند هؤلاء نجسة ; لأن لبن الميتة وإنفحتها عندهم نجس . ومن لا تؤكل ذبيحته فذبيحته كالميتة.
وكل من أصحاب القولين يحتج بآثار ينقلها عن الصحابة فأصحاب القول الأول نقلوا أنهم أكلوا جبن المجوس .
وأصحاب القول الثاني نقلوا أنهم أكلوا ما كانوا يظنون أنه من جبن النصارى . فهذه مسألة اجتهاد ; للمقلد أن يقلد من يفتي بأحد القولين .
وأما " أوانيهم وملابسهم " فكأواني المجوس وملابس المجوس على ما عرف من مذاهب الأئمة .
والصحيح في ذلك أن أوانيهم لا تستعمل إلا بعد غسلها ; فإن ذبائحهم ميتة فلا بد أن يصيب أوانيهم المستعملة ما يطبخونه من ذبائحهم فتنجس بذلك فأما الآنية التي لا يغلب على الظن وصول النجاسة إليها فتستعمل من غير غسل كآنية اللبن التي لا يضعون فيها طبيخهم أو يغسلونها قبل وضع اللبن فيها وقد توضأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه من جرة نصرانية . فما شك في نجاسته لم يحكم بنجاسته بالشك .
ولا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين ولا يصلى على من مات منهم ; فإن الله سبحانه وتعالى نهى نبيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المنافقين : كعبد الله ابن أبي ونحوه ; وكانوا يتظاهرون بالصلاة والزكاة والصيام والجهاد مع المسلمين ; ولا يظهرون مقالة تخالف دين الإسلام ; لكن يسرون ذلك فقال الله : { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون } فكيف بهؤلاء الذين هم مع الزندقة والنفاق يظهرون الكفر والإلحاد .
وأما استخدام مثل هؤلاء في ثغور المسلمين أو حصونهم أو جندهم فإنه من الكبائر وهو بمنزلة من يستخدم الذئاب لرعي الغنم ; فإنهم من أغش الناس للمسلمين ولولاة أمورهم وهم أحرص الناس على فساد المملكة والدولة وهم شر من المخامر الذي يكون في العسكر ; فإن المخامر قد يكون له غرض : إما مع أمير العسكر وإما مع العدو .
وهؤلاء مع الملة ونبيها ودينها وملوكها ; وعلمائها وعامتها وخاصتها وهم أحرص الناس على تسليم الحصون إلى عدو المسلمين وعلى إفساد الجند على ولي الأمر وإخراجهم عن طاعته .
والواجب على ولاة الأمور قطعهم من دواوين المقاتلة فلا يتركون في ثغر ولا في غير ثغر ; فإن ضررهم في الثغر أشد وأن يستخدم بدلهم من يحتاج إلى استخدامه من الرجال المأمونين على دين الإسلام وعلى النصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ; بل إذا كان ولي الأمر لا يستخدم من يغشه وإن كان مسلما فكيف بمن يغش المسلمين كلهم ولا يجوز له تأخير هذا الواجب مع القدرة عليه بل أي وقت قدر على الاستبدال بهم وجب عليه ذلك .
وأما إذا استخدموا وعملوا العمل المشروط عليهم فلهم إما المسمى وإما أجرة المثل لأنهم عوقدوا على ذلك .
فإن كان العقد صحيحا وجب المسمى وإن كان فاسدا وجبت أجرة المثل وإن لم يكن استخدامهم من جنس الإجارة اللازمة فهي من جنس الجعالة الجائزة ; لكن هؤلاء لا يجوز استخدامهم فالعقد عقد فاسد فلا يستحقون إلا قيمة عملهم . فإن لم يكونوا عملوا عملا له قيمة فلا شيء لهم ; لكن دماؤهم وأموالهم مباحة.
وإذا أظهروا التوبة ففي قبولها منهم نزاع بين العلماء ; فمن قبل توبتهم إذا التزموا شريعة الإسلام أقر أموالهم عليهم .
ومن لم يقبلها لم تنقل إلى ورثتهم من جنسهم ; فإن مالهم يكون فيئا لبيت المال ; لكن هؤلاء إذا أخذوا فإنهم يظهرون التوبة ; لأن أصل مذهبهم التقية وكتمان أمرهم وفيهم من يعرف وفيهم من قد لا يعرف .
فالطريق في ذلك أن يحتاط في أمرهم فلا يتركون مجتمعين ولا يمكنون من حمل السلاح ولا أن يكونوا من المقاتلة ويلزمون شرائع الإسلام : من الصلوات الخمس وقراءة القرآن .
ويترك بينهم من يعلمهم دين الإسلام ويحال بينهم وبين معلمهم .
فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وسائر الصحابة لما ظهروا على أهل الردة وجاءوا إليه قال لهم الصديق : اختاروا إما الحرب المجلية وإما السلم المخزية . قالوا : يا خليفة رسول الله هذه الحرب المجلية قد عرفناها فما السلم المخزية ؟ قال : تدون قتلانا ولا ندي قتلاكم وتشهدون أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ونقسم ما أصبنا من أموالكم وتردون ما أصبتم من أموالنا وتنزع منكم الحلقة والسلاح وتمنعون من ركوب الخيل وتتركون تتبعون أذناب الإبل حتى يرى الله خليفة رسوله والمؤمنين أمرا بعد ردتكم .
فوافقه الصحابة في ذلك ; إلا في تضمين قتلى المسلمين فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له : هؤلاء قتلوا في سبيل الله فأجورهم على الله . يعني هم شهداء فلا دية لهم فاتفقوا على قول عمر في ذلك .
وهذا الذي اتفق الصحابة عليه هو مذهب أئمة العلماء والذي تنازعوا فيه تنازع فيه العلماء. فمذهب أكثرهم أن من قتله المرتدون المجتمعون المحاربون لا يضمن ; كما اتفقوا عليه آخرا وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين .
ومذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى هو القول الأول . فهذا الذي فعله الصحابة بأولئك المرتدين بعد عودهم إلى الإسلام يفعل بمن أظهر الإسلام والتهمة ظاهرة فيه فيمنع أن يكون من أهل الخيل والسلاح والدرع التي تلبسها المقاتلة ولا يترك في الجند من يكون يهوديا ولا نصرانيا.
ويلزمون شرائع الإسلام حتى يظهر ما يفعلونه من خير أو شر ومن كان من أئمة ضلالهم وأظهر التوبة أخرج عنهم وسير إلى بلاد المسلمين التي ليس لهم فيها ظهور .
فإما أن يهديه الله تعالى وإما أن يموت على نفاقه من غير مضرة للمسلمين .
ولا ريب أن جهاد هؤلاء وإقامة الحدود عليهم من أعظم الطاعات وأكبر الواجبات وهو أفضل من جهاد من لا يقاتل المسلمين من المشركين وأهل الكتاب ; فإن جهاد هؤلاء من جنس جهاد المرتدين والصديق وسائر الصحابة بدءوا بجهاد المرتدين قبل جهاد الكفار من أهل الكتاب ; فإن جهاد هؤلاء حفظ لما فتح من بلاد المسلمين وأن يدخل فيه من أراد الخروج عنه .
وجهاد من لم يقاتلنا من المشركين وأهل الكتاب من زيادة إظهار الدين .
وحفظ رأس المال مقدم على الربح . وأيضا فضرر هؤلاء على المسلمين أعظم من ضرر أولئك ; بل ضرر هؤلاء من جنس ضرر من يقاتل المسلمين من المشركين وأهل الكتاب وضررهم في الدين على كثير من الناس أشد من ضرر المحاربين من المشركين وأهل الكتاب.
ويجب على كل مسلم أن يقوم في ذلك بحسب ما يقدر عليه من الواجب فلا يحل لأحد أن يكتم ما يعرفه من أخبارهم ; بل يفشيها ويظهرها ليعرف المسلمون حقيقة حالهم ولا يحل لأحد أن يعاونهم على بقائهم في الجند والمستخدمين ولا يحل لأحد السكوت عن القيام عليهم بما أمر الله به ورسوله .
ولا يحل لأحد أن ينهى عن القيام بما أمر الله به ورسوله ; فإن هذا من أعظم أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله تعالى ; وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم } وهؤلاء لا يخرجون عن الكفار والمنافقين .
والمعاون على كف شرهم وهدايتهم بحسب الإمكان له من الأجر والثواب ما لا يعلمه إلا الله تعالى ; فإن المقصود بالقصد الأول هو هدايتهم ; كما قال الله تعالى { كنتم خير أمة أخرجت للناس } قال أبو هريرة كنتم خير الناس للناس تأتون بهم في القيود والسلاسل حتى تدخلوهم الإسلام .
فالمقصود بالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : هداية العباد لمصالح المعاش والمعاد بحسب الإمكان فمن هداه الله سعد في الدنيا والآخرة ومن لم يهتد كف الله ضرره عن غيره.
ومعلوم أن الجهاد والأمر بالمعروف . والنهي عن المنكر : هو أفضل الأعمال كما قال صلى الله عليه وسلم " { رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله تعالى } " وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن في الجنة لمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض أعدها الله عز وجل للمجاهدين في سبيله } " وقال صلى الله عليه وسلم " { رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه } " ومن مات مرابطا مات مجاهدا وجرى عليه عمله وأجري عليه رزقه من الجنة وأمن الفتنة .
والجهاد أفضل من الحج والعمرة كما قال تعالى : { أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين } { الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون } { يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم } { خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم } . والحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)