يمتهن البعض الحمير في بلادنا لدرجة أنهم إذا أرادوا سب شخص ما، وصفوه بأنه حمار، دون أن يدروا أن هناك جمعية راقية للحمير، يحمل رئيسها لقب "صاحب الحدوة".. وأعضاؤها يتوزعون ما بين "الجحش الصغير" و "الحمار الكبير" و " الأتان"!
وربما كان ذلك الحقد والامتهان للحمير بسبب أن الوجبة المفضلة لها هي الفول، مما يجعله غير متواجد بسعر رخيص للحمير الآخرين.
وقد نشرت الجرائد في الأسابيع القليلة الماضية بضعة حوادث تدل على أن الحمير ليست بمثل ذلك الغباء الذي نظنه، وأن بعضها أكثر شجاعة وذكاء من بعض الآدميين. وعلى سبيل المثال ففي إحدى القرى كان الحمار هو الشاهد الوحيد على جريمة قتل وقعت لصاحب ذلك الحمار، الذي كان راكباً حماره وذاهباً به إلى السوق – الحمار هو الذي كان ذاهبً بصاحبه للسوق وليس العكس لأن أصحاب الحمير لا تعرف طريق السوق عادة- عندما خرج أحد خصوم صاحب الحمار وأطلق عليه الرصاص فأرداه قتيلاً. دون أن يهتم ببقاء الشاهد الوحيد – الحمار – على قيد الحياة. وعندما جاءت الشرطة والنيابة هرب بقية الشهود من البني آدمين ورفضوا الشهادة خوفاً من سطوة القاتل الذي بدأ حياته كلص للحمير، وأنهاها كسفاح لإخوانها! ولكن وفي عرض قانوني للمشتبه فيهم استطاع الحمار تمييز القاتل فنهق في وجهه، فكان ذلك سبباً في إدانته وحصوله على الإعدام!
وهانك حادثة أخرى تدل على مدى شجاعة بعض الحمير، فقد كانت هناك عصابة قامت بترويع الفلاحين في إحدى القرى وحدث أن ذهب اللصوص لسرقة منزل أحد الخفراء فلم يجدوا في المنزل ما يستحق السرقة غير كيس تبن الحمار- ووقتها كان الخفير مختبئاً تحت سريره في رعب من اللصوص- ولكن الحمار وقد رأى عشاءه يُسلب منه، فلم يعجبه ذلك وانقض على اللصوص وأشبعهم ركلاً وعضاً حتى اضطرهم للصراخ طالبين النجدة، بعد أن سقطوا مصابين إصابات بليغة، فكان من السهل القبض عليهم بعدها. ولما كان القانون للأسف لا يتيح تشغيل الحمير لدى الحكومة – فهناك أنواع أخرى من الحمير تشتغل لدى الحكومة وتبرطع في دواوينها دون أي عمل- لذلك لم يكن من الممكن تعيين الحمار البطل ضمن قوة الأمن في القرية فاكتفوا بترقية صاحبه كشيخ للخفراء.. والذي لم يشاهد بعدها حاملاً سلاحه الميرى، اكتفاء بحماره .
وهناك أيضاً تلك الحمير الخمسة التي ضُبطت على الحدود المصرية الليبية محملة بأجهزة الفيديو المهربة، والتي قام أصحابها بتحميل أجهزة الفيديو على ظهورها، ثم أطلقوها لتأخذ الحمير طريقها الذي تعرفه جيداً عبر الحدود خلال الجبال لتصل إلى الناحية الأخرى.. حيث يستقبلها أصحابها دون أن يعرضوا أنفسهم للخطر أو القبض عليهم بتهمة التهريب.. ولكن الحمير سلكت طريقاً مكشوفاً تمر به دوريات الشرطة فكان أن وقعت في يديها وتمت مصادرة أجهزة الفيديو.. ويقول العليمون ببواطن الأمور هناك بان الحمير غيرت طريقها قاصدة لتقع في قبضة الشرطة لأن صاحبها كان قاسياً ويسيء معاملتها ويضربها.. وأنها أرادت عقابه بما فعلت.. ولكن بعد ذلك الاستقبال الحافل الذي استقبلت به الشرطة الحمير لدرجة جعلت وزن كل حمار يتضاعف من شدة الضرب، فقد قررت الحمير العودة إلى صاحبها آسفة لتعاود نفس العمل.. وهو ما يكشف خطأ وزارة الداخلية وقصور نظرتها في تعاملها مع بعض المتهمين، وأنه ليس من الحكمة معاملة كل الحمير المتهمين نفس المعاملة!
أما أشهر أحداث الحمير والتي كادت تتسبب في سقوط وزارة بأكملها، فوقعت في منتصف العشرينات، عندما كان إسماعيل صدقي باشا وهو وزير الداخلية في مصر وكان على خلاف مع الزعيم الوطني سعد زغلول وكان يقف مع المرشح المنافس لسعد زغلول في البرلمان، وأمر صدقي كل ضباط الشرطة بأن يحشدوا الأهالي لتحية منافس سعد زغلول الذي كان سيمر مع الوزراء على بعض القرى والبلاد بالقطار، فكان أن حشد أحد الضباط النشطين الأهالي فوق حميرهم لتحية منافس سعد زغلول، وحمل الأهالي لافتات الترحيب والتأييد ... وبعد أن اطمأن الضابط للاستقبال المرتقب انصرف سعيدا تاركاً الأهالي وحميرها في استقبال المرشح المنافس.. ولكن عندما مر موكب المنافس كان الأهالي قد اختفوا تاركين حميرهم وحدها.. وقد عُلقت على ظهورها عبارات التأييد من نوعية "نحن نؤيدكم" و "قلوبنا معكم" و "نحن منكم وإليكم"!!
وكانت حادثة تندرت مصر بها وقتاً طويلاً.. وتناقلتها وكالات الأنباء.
وهكذا أبتت الحمير في بلادنا أن لها موقفاً ووعياً سياسياً.. بعكس بعض المواطنين الآخرين ممن ليسوا من أصحاب الحدوة!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق