يا نايم قم وحد الدايم
ايقظني صوت طبلته ، أسمعه يقترب شيئا فشيئا
ثم بدأت اذناي تتلقف ذلك الصوت الجميل ، يترنم بقصائد ومدائح نبوية
ارهفت السمع ، علني اقع على كلمات مدائحه ، لقد كان اللحن جميلا وكذلك الصوت
غير اني لم اوفق ، فالمبنى حيث أسكن ينتصب عند مدخل المدينة الجنوبي ،
ولا شك ان المسحراتي قطع مسافة طويلة قبل ان تطأ قدماه شارع النور ، وفيه نهاية مطافه .
المهم انه أدى رسالته وأيقظني حتى ولو توقف عن النقر والمدح عند حدود مسامعي .
انه المسحراتي ، مهنة من تراث المدينة ، لم تتوقف حتى في عز الحرب الاهلية.
ينقر على طبلته ، يرافقه بعض الصبية ، في العادة اولاده ، يمتهنونها من بعده
يسيرون بين يديه ، يحملون الفوانيس ، يجوبون حواري المدينة وشوارعها
قاذا كان يملك المسحراتي صوتا جميلا تراه يصدح باجمل القصائد رافعا بها عقيرته
وان كان غير ذلك اكتفى بترداد بعض الكلمات مثل" يا نايم قوم وحد الدايم "
وهذه المهنة متداولة في اقطار العالم الاسلامي كافة ،
والواقع ان هذه المهنة ارتبطت بشهر رمضان منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكان بلال بن رباح أول مسحراتي في التاريخ الاسلامي ،
وكان رضي الله عنه يجوب طرقات المدينة وشوارعها لايقاظ الناس للسحور بصوته العذب
واشتهر في مكة " الزمزمي " فكان يصعد المأذنة ويعلن من فوقها عن بدء السحور .
وأول من أمر بها في مصر كان الوالي عتبة ابن اسحاق زمن الفتح الاسلامي
وكان يخرج بنفسه في مدينة الفسطاط لتسحير الناس وهو ينادي باعلى صوته:
" يا عباد الله تسحروا فان في السحور بركة".
الا ان التسحير لم يندرج كمهنة الا في بغداد زمن العباسيين ، وابتكر البغداديون
فن " الحجازي " وفن " القومة" وهما من فنون الادب الشعبي، والقومة تحديدا
اختصت بالغناء في سحور رمضان ، وهي كناية عن التسبيح والابتهال.
ولم يقتصر الامر على نداء العامة ، فقد جعل بعض الولاة والسلاطين سحارين
يقتصر عملهم في اطار المهمة الرسمية " كمسحراتي الملك الناصر ابن نقطة"
غير ان هذه المهنة أخذت بعدا فنيا على يد الشاعر فؤاد حداد والموسيقار سيد مكاوي
وامزج الفن بابعاد اجتماعية وسياسية على ايديهما
ومما كان ينشده الشاعر الحداد :
" وكل حتة من بلدي ،حتة من كبدي ، ..حتة من موال..وأنا صنعتي مسحراتي في البلد جوال".
ومن الاقوال التي كان يرددها المسحراتي اخترت لكم :
من مصر
*******
" أيها النوام ، قوموا للفلاح ،واذكروا الله الذي أجرى الرياح ، ان جيش الليل قد ولى
وراح وتدانى عسكر الصبح ولاح ...اشربوا عجلى فقد جاء الصباح"
من لبنان
******
اصحى يا نايم....وحد الدايم......وقول نوييت.....بكرا ان حييت...
الشهر صايم .....والفجر قايم.....اصحى يا نايم
وحد الرزاق....رمضان كريم.....اصحى يا نايم وحد الدايم.....
السعي للصوم خير من النوم...اصحى يا نايم ، يا نايم اصحى.....وحد الرزاق.
ويبقى ان تتظر الايام الاواخر من رمضان ، حيث يجول المسحراتي عقب الافطار
يرافقه بعض الصبية ، يحملون المزاهر والصنوج والطبول ،وبايديهم الفوانيس
يلبسون لباسا فولكلوريا ، يطوفون على البيوت ، ينشدون الاناشيد الجميلة ،
في سعيهم الى كرم الناس وعطاءاتهم في وداع الشهر الفضيل .
بانتظار ذلك ، سابذل جهدي لمعرفة ذلك النشيد الذي كان يصدح به المسحراتي
بصوته الجميل ......وكل رمضان وانتم بخير
****************************
أمين قلاوون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق