محمد بدر الدين: تأملات في الذكرى الثانية لثورة 25 يناير
الخميس 31 يناير 2013 - 10:43 ص
قوة ثورة 25 يناير سنة 2011 أنها ثورة تريد لمصر أن تلحق بالعصر.
لذلك فهي ثورة قدرها أن تنتصر.
لأن حركة الثورة هنا في اتساق تام، مع حركة التاريخ وروح العصر، وطبيعة الأشياء وحقائقها وضروراتها.
فمهما كانت المعوقات ـ إذن سوف تنتصر ثورة 25 يناير.
وسوف تمر بموجات إثر موجات، ومعارك بعد معارك، في مواجهة المعوقات، لكنها سوف تحصل في النهاية على ما تريد.
فهي ثورة تعرف منذ البداية ماذا تريد؟.
أرادت ابتداء: "إسقاط النظام".
إسقاط النظام القائم، الجاثم منذ أربعة عقود ـ إسقاطه لا أقل من ذلك ـ لمدى استبداده وفساده، لمدى الظلم الاجتماعي والتبعية والانحطاط الشامل على يده، والجرائم والخطايا المسئول عنها في مختلف القضايا والأصعدة.
ثم تريد ثورة 25 يناير: "بناء النظام الجديد".
تريد مجتمعاً تنشد له، ما تنشده لمجتمعاتها كل الثورات الإنسانية: الحرية. والتقدم.
وعبرت الثورة المصرية عن أهدافها منذ أول يوم في نداء: (حرية ـ عدالة اجتماعية ـ كرامة إنسانية).
بل وتحقيق كل هذه الأهداف للوطن والأمة ككل، للأمة التي تنتمي إليها مصر، وفي خضم ثورتها العربية التي انطلقت، والتي تنتمي إليها وفي طليعتها ثورة 25 يناير.
هي إذن: أهداف إنسانية، شعبية، تقدمية، وهي كما نرى تتسق مع الضرورات الإنسانية وروح العصر ومعناه.
لذلك قلنا ما قلناه، ونؤكده:
إن قوة هذه الثورة تكمن في بديهية حتمية، وضرورة إنسانية: أن يلحق الوطن بالعصر.
ومهما يكن من خصوم وأعداء للتقدم الإنساني، ومن حروب شرسة ومن تآمر وغدر.
من يستطيع أن يعاند الحق والحقيقة إلى النهاية؟!.
"ثورة حتى النصر":
ليس كمجرد شعار هنا، إنما ـ هنا بهذا المعنى ـ حقيقة موضوعية علمية.
ثورة تحقق مدى أبعد ـ كحلقة أحدث ـ مما حققت حلقات وحركات ثورية سبقت.
ثورة تأخذ الراية مما مر وتفجر من ثورات في تاريخنا الوطني القومي.
ثورة تبدأ من حيث انتهت آخر ثورات الشعب المصري والعربي وأعلاها ثورة 23 يوليو بقيادة جمال عبد الناصر، التي انطلقت في تلك الليلة من عام 1952، إلى أن ضربت هذه الثورة في سلطة الدولة في أعقاب غياب قائدها التاريخي في 28 سبتمبر من عام 1970، وانتقلت الثورة من السلطة إلى الشارع، الذي ظل يموج بالاحتجاجات والانتفاضات (كان أوجها وأمجدها انتفاضة 18 و19 يناير من عام 1977)، إلى أن استجمع الشارع والشعب كل قواه في ضربة كبرى تاريخية، في 25 يناير من عام 2011، وجهها لجميع خصومه وأعدائه الذين تكالبوا وتكاثروا على امتداد أربعة عقود، لاستنزاف خيراته ونهب ثرواته، بسلطة القمع والدولة البوليسية، وسلب حقوقه في الحرية والتقدم والعدل والكرامة.
لكن بعد ثورة 25 يناير بدأت موجة أخرى من الحملات المستمرة منذ السبعينيات الماضية على ثورة 23 يوليو، بدأ انقضاض وهجوم مسعور ـ بعضه من نوع مستجد وبعضه مسبوق! ـ ضد الناصرية وعبد الناصر والناصريين، وكل ما يتصل بصلة ما بثورة 23 يوليو 1952، من أول لحظة وموقف في مسيرتها ومسارها إلى آخر لحظة وموقف، وبداية من التشكيك الساذج الفج حتى في المسلمات البديهية كاعتبارها ـ أصلاً! ـ بثورة"، فضلاً عن كونها من الثورات الإنسانية التاريخية الكبرى!... إلى تحميل هذه المسيرة وذلك المسار كل أدران وأوزار ـ بلايا ورزايا! ـ حتى العهود والسلطات التي مثلت ارتداداً و"ثورة مضادة"، وانقضاضاً ونقضاً وانقلاباً، ضد مسيرة ومسار جمال عبد الناصر!.
ضد ملحمة نضال الشعب المصري والعربي في ظل قيادته، وضد مرحلة كفاح وطني بإعداد وتحضير جمال عبد الناصر والطليعة الثورية معه للثورة وتفجيرها في 23 يوليو 1952، إلى غيابه المباغت في 28 سبتمبر 1970، واستمرار هذه الثورة من بعده لقرابة ثلاث سنوات ـ بقوة الدفع الذاتي وطبيعة اللحظة التاريخية ـ حتى عبور واقتحام 6 أكتوبر 1973.
وهي مرحلة كفاح وطني اجتماعي ثوري، كانت حلقة جديدة من حلقات الثورة المصرية ـ العربية، في التاريخ الوطني والقومي الحديث، تعتبر فيها "ثورة 23 يوليو" الحلقة الأعلى والأعمق، الأنجح والأوسع أثراً، بقدر ما تعتبر تتمة واستكمالاً وارتباطاً عضوياً بكل الحلقات الثورية التي سبقت.
على مر الملاحم الثورية التي تصدرها وتصدى فيها عمر مكرم ومحمد كريم، ثم أحمد عرابي وصحبه، ثم مصطفى كامل ومحمد فريد، إلى سعد زغلول ومصطفى النحاس.
تسلمت حلقة وملحمة "23 يوليو" منها ـ جميعاً ـ المشعل.
وتسلمه اليوم ـ بدورها ـ إلى 25 يناير".
لكنهم يحاولون اليوم عبثاً، ويستميتون سدى، من أجل تشويه "23 يوليو" بكل سبيل، وإطلاق السهام المسمومة نحوها، والتزييف الواسع لكل شئ فيها، بكراهية و"ارتكاريا" لا حدود لهما!.
على الرغم من مرور "ستة عقود" على قيام ثورة 23 يوليو ـ (عند قيام ثورة 25 يناير عام 2011) ـ و"أربعة عقود" على رحيل قائدها!.
لكنه الغرض والمرض... لكنه نهم السلطة والثروة... لكنه الحرص على المصالح الضيقة والمغانم.. والذين غادروا من دون أن ينسوا شيئاً أو أن يتعلموا شيئاً... لكنه الخوف الشديد من تجديد "23 يوليو" في وبـ "25 يناير"!.
فنفس الأهداف والرايات، التي رفعها الشعب وطلائع الشباب، منذ صباح "25 يناير"، وعلى مدار الثمانية عشر يوماً، منذ لحظة انفجارها التاريخي إلى لحظة نجاحها المؤزر في خلع رأس النظام، هي ذاتها ـ بنصها ـ الأهداف والرايات التي ناضل من أجلها وحمل لواءها الشعب وقائده، في ظل ثورة 23 يوليو، على مدار الثمانية عشر عاماً، منذ 23 يوليو 1952 إلى 28 سبتمبر 1970!.
- · الحرية: حرية الوطن واستقلاله، وحرية المواطن وحقوقه.
- · العدالة الاجتماعية والتقدم.
- · العزة والكرامة.
مما أجملته جماهير ثورة 25 يناير في شعارها المشهور: "حرية ـ عدالة اجتماعية ـ كرامة إنسانية".
هذه هي أهداف النضال المصري والعربي، كما صاغها وكافح في سبيلها الشعب وقائده خلال ملحمة الثمانية عشر عاماً.
وهي ذاتها ـ بروحها وحتى بنصها ـ أهداف النضال المصري، كما أعلنها وثار من أجلها الشعب وطلائعه خلال ملحمة الثمانية عشر يوماً.
ومثلما كانت ثورة بداية النصف الثاني من القرن العشرين في مصر، جزءاً لا يتجزأ من ثورة الشعب العربي ككل، ضد الاستعمار والاستبداد والظلم الاجتماعي والتجزئة، والتي بلغت أوجها وذرى مدها ومجدها في الخمسينيات والستينيات من ذلك القرن.
فإن ثورة بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين في مصر، جزء لا يتجزأ من ثورة الشعب العربي ككل، بدأت واندلعت في تونس قبيل مصر بأيام (في 14 يناير 2011) ـ شرارة وبشارة عربية ـ وقد كانت الصيحة الأولى في تونس فمصر وكل ثورات ما عرف "بالربيع العربي"، تستلهم إبداع الشاعر العربي التونسي العبقري "أبو القاسم الشابي"
فإن قال الشابي:
"إذا الشعب يوماً أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدر".
قال الشعب العربي كله:
"الشعب يريد إسقاط النظام!".
كان مطلبه جذرياً، ولم يتنازل عن قوله: "ارحل" ـ للطاغية ـ حتى رحل صاغراً طاغية تونس، وطاغية مصر، ودفع الشعب الثمن غالياً عزيزاً، آلاف الشهداء والمصابين، ومازال يدفع، فقد كان الانجاز عند ذاك نجاحاً مؤزراً في إسقاط رؤوس وزبانية النظام، لكن لا تزال هناك جولات ومعارك حتى النصر الحاسم، وكان الانجاز افتتاحية ثورية عبقرية أسطورية، لكن الرواية لم تتم فصولاً والعدو إخطبوط متعدد الأذرع والمعارك والمؤامرات بغير توقف
ومما قد يلزم أن يقال هنا، باختصار أمران:
- الأمر الأول:
أنه لا شئ يؤكد مقولات جمال عبد الناصر منذ أكثر من نصف قرن عن الشعب العربي الواحد.. مثل الثورة العربية الواحدة التي انطلقت من تونس إلى مصر.. من مراكش إلى البحرين.. إلى اليمن والأردن.. وستندلع في شبه الجزيرة العربية.. والبقية تاتي!.·
الأمر الثاني:
سوف يستمر ويتشابك، يتباين ويتشابه، مسار الثورة العربية في مصر، والثورة العربية في مختلف المواقع، على نطاق الوطن العربي كله، وسوف يستمر التأثير والتأثر متواصلاً متبادلاً بين الجميع.
وبالعام المشترك بين نماذج الثورة والحالات الثورية في ربوع العرب ـ وربيع العرب ـ وبالخاص المختلف فيما بينها.
وسوف تمر بمسارات صعبة معاً، وتعثرات ونجاحات وخيبات، ومجابهات ضارية مع الخصوم والأعداء، في الداخل والخارج، في الإقليم والعالم، منذ اندلاع الثورات وولادتها العسيرة وآلام المخاض، حتى الوصول إلى مرفأ وإلى المراد من أهداف نضال شعب أراد الحياة، وبلوغ جنى ثمار الربيع!.
وسوف يكون للقاهرة دائماً وضع خاص في كل ذلك، وتأثير مختلف، فقد كانت القاهرة عاصمة الثورة وقلعة المد العربي في الخمسينيات والستينيات الماضية، بقدر ما كانت عاصمة الارتداد عن الثورة والانهيار العربي منذ عام 1974 إلى عام 2011، بقدر ما هي عاصمة ربيع جديد للثورات.
ولذلك فإن كل ما يحدث فيها خطير، للثورة في مصر، ولمجمل الثورات العربية على السواء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق